العلاّمة المجلسي ، فتعجّب من حضوره ، فجلس بجواره ، فأراد أن يسخر من العلاّمة ليضحك أصحابه عليه فقال : يا شيخ ، سجاباكم أفضل أم سجايانا؟ فإنّا وإن كنّا من الفاسقين إلاّ أنّ لنا صفة وسجيّة تفقدونها أنتم المؤمنون. فقال العلاّمة : وما هي؟ فقال : نحن معاشر الشقاوات من أخلاقنا أنّه إذا أكلنا من طعام أحد لا نكسر مملحته ولا نخونه (كنايةً عن رعاية الذمّة والملح وعدم الخيانة بمال وناموس مَن يأكلون زاده). فقال له الشيخ : لا تصدق في كلامك. فغاض الشقيّ وقال : أنا وأصحابي كلّنا ملتزمون بهذه السجيّة ، فإمّا أن تثبت خلاف ذلك وإلاّ ... فأجابه العلاّمة : يا هذا ، ألست طيلة عمرك تأكل ملح الله وزاده وتكسر المملحة وتخالفه وتعصيه؟! ما أن سمع الرجل هذه الكلمة التي خرجت من الأعماق ، إلاّ وارتعدت فرائصه وأمر حاشيته بالخروج من المجلس ، وعند السحر أتى العلاّمة مع جماعته ، وقال له : يا شيخ ، حتّى الفجر فكّرنا في مقولتك هذه ، فوجدنا الحقّ معك وكسرنا المملحة ، وهذه ليست من شيمتنا ، والآن أتيناك تائبون مستغفرون ، فهل لنا توبة؟ فرحّب بهم العلاّمة ، واهتدى هو وأصحابه على يديه ، فحسن حالهم (١).
وقد دخل سارق بيت أحد العلماء ، فأخذ يفتّش في كلّ زاوية من البيت فلم يجد شيئاً ، فلمّـا همّ بالخروج ناداه العالم : إنّك جئت في طلب الدنيا فليس عندنا منها شيء ، فهل تريد من الآخرة؟ فقال السارق : نعم ، فاحتضنه العالم وعلّمه التوبة حتّى أسفر الصباح ، وبعد الصلاة ذهب إلى المسجد للدرس ، فسأل التلامذة عن الرجل ، فأجاب : أراد أن يصيدني ولكنّي اصطدته فجئت به إلى المسجد ، وهكذا أصبح السارق من التائبين المؤمنين.
__________________
١ ـ قصص العلماء : ٢٣٣.