قيل لبعض العرفاء المرتاضين : إنّ رجلا من المتصوّفة بلغ في ترويضه لنفسه إلى حدّ أنّه يمشي على الماء! فقال العارف : وكذلك يفعله الضفدع. فقيل له : وإنّ واحداً منهم يطير في الهواء! فقال : وكذلك يفعله الذباب. قيل له : ومنهم من يسير من بلد إلى بلد في لحظة بطيّ الأرض! فقال : وكذلك يفعل الشيطان ، يسير من المشرق إلى المغرب ، ثمّ قال : ليس بهذه الأشياء قيمة الرجل ، بل الرجل كلّ الرجل مَن كان يخالط الناس بحسن ويعاشرهم بمعروف ويخدمهم ولا يغفل عن الله طرفة عين.
وإليك ما فعله العلاّمة آية الله السيّد محسن العاملي صاحب (أعيان الشيعة) ، فإنّه كان يمشي خلف جنازة أحد كبار علماء السنّة في سوق الحميدية بالشام ، ثمّ صلّى عليه في المسجد الاُموي ، ثمّ أقبل الناس يقبّلون يد السيّد. فسئل السيّد : كيف هؤلاء السنّة يقبّلون يدك؟ فأجاب : هذه ثمرة حسن معاشرتي مع الناس لمدّة عشرة أعوام ، فإنّي لمّـا قدمت إلى الشام حرّض بعض الجهلة أشدّ الأعداء عليّ ، فكان أطفالهم يرمونني بالحجارة ، وأحيانا يجرّوا عمامتي من الخلف ، ولكنّي صبرت على الأذى وعاملتهم بلطف وإحسان ، وشاركت في تشييع جنائزهم ، وعدت مرضاهم ، وتفقّدت أحوالهم ، كنت أبتسم معهم دائماً اُظهر لهم حناني ، إلى أن استبدلوا العداء بالمحبّة (١).
وهاك ما فعله العلاّمة المجلسي (قدس سره) عندما التجأ إليه أحد المؤمنين بأنّ جاره من المطربين وشقاوات إصفهان يؤذيه في الليالي ، فطلب منه العلاّمة أن يدعوهم إلى العشاء ويحضر هو أيضاً ، ولمّـا دخل المطربون المجلس وجدوا في زاوية الدار
__________________
١ ـ قصص وخواطر : ١٢٧.