فرحوا ، ويكثر مقتهم أنفسهم وإن اغتبطوا بما رزقوا ».
هذه بعض صفات الزاهدين ، ولا بدّ لأهل العلم منها ، ومقدّمتها التفكّر والتزهّد ، بمعنى أن يلقي نفسه في الزهد حتّى يزهد ، وهذا حكم جار في كلّ الصفات الحميدة ، فإنّ الحليم في بداية أمره يتحلّم حتّى يحلم.
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« أوّل الزهد التزهّد ».
« التزهّد يؤدّي إلى الزهد ».
وأصل الزهد اليقين وحسن الرغبة فيما عند الله ، وثمرته السعادة ، وإنّما يزهد الإنسان بمقدار علمه بالله سبحانه ، وكيف يزهد في الدنيا من لا يعرف قدر الآخرة؟
ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وصيّة لولده الإمام الحسن (عليه السلام) : « أكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم ، فإنّ ذلك يزهدك في الدنيا ، ويصغّرها عندك وقد نبأّك عنها ، ونعتت لك نفسها ».
« من صوّر الموت بين عينيه هان امر الدنيا عليه ».
« أحزمكم أزهدكم ».
يقول الإمام الباقر (عليه السلام) : أكثر ذكر الموت فإنّه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلاّ زهد في الدنيا.
وعن مولانا الكاظم (عليه السلام) ، عند قبر حضره : إنّ شيئاً هذا آخره لحقيقٌ أن يزهد في أوّله ، وإنّ شيئاً هذا أوّله لحقيقٌ أن يخاف آخره.
ثمّ الزهد كلّي مشكّك له مراتب طوليّة وعرضيّة ، يتعرّض لها علماء السير والسلوك والأخلاق.