إلى ما لا يريبه ، وهذا ما يسمّى بتقوى الخاصّ ، ويترقّى عنده هذا الشعور أو الخوف فيصبح ورعه :
٣ ـ ورع المتّقين : وذلك حين يبتعد عن المباحات خوفاً من أن تجرّه إلى المحرّمات والمكروهات كمن يتوقّف عن ذكر أحوال الناس ـ المباح ـ خشيةً من أن يجرّه إلى الغيبة المحرّمة ، وهذا يسمّى بتقوى الخاصّ الخاصّ ، ويترقّى هذا الخلق في بعضهم حتّى يكون من المقرّبين فينهيه إلى :
٤ ـ ورع السالكين : إذ يكون حينئذ قد توحّدت غاياته في غاية واحدة ، والتقت أهدافه في هدف واحد هو ذكر الله تعالى والعمل بما يحبّه الله تعالى ، فيتجنّب كلّ خوض في غير ذلك الله ، ويستغفر من كلّ لذّة ليس فيها اسم الله ، ويمتنع عن كلّ سعي إلاّ ما يحبّه الله تبارك وتعالى له.
فهي وإن كانت مباحة لا يخشى أنّها تجرّه إلى المحرّمات ، ولكن فلسفته في الحياة المستمدّة من إيمانه العميق تزهّده في كلّ أمر لا يؤدّي إلى الغاية التي من أجلها خلقه المولى وبها امتنّ عليه.
فكلّ حديث غير الله عزّوجلّ يعدّ عنده لغوٌ فارغ ، لأنّه لا يحقّق الهدف الأسمى الذي يسعى لتحقيقه ، أو لأنّه يحجبه عن محبوبه الذي لا يرغب أن يحجبه شيء عنه ، وكلّ حركة وسكون في غير ما يحبّ الله فضول لا يرضاه لنفسه ، وهو يأخذ نفسه بالجدّ والحزم في اُموره كلّها (١).
وأنتم يا طلاّب العلوم الدينية والفضائل دعيتم في سيرتكم الأخلاقيّة ـ العلميّة والعمليّة ـ إلى مثل هذا الورع السامي والكامل ، وإلى ربّك المنتهى ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
__________________
١ ـ من مقدّمة كتاب (الطريق إلى الله) : ١٢.