أجل هكذا عظمائنا الأعلام ، يبقون أكبر من الرئاسة والمقام ، فلا تغرّهم الدنيا الدنيّة ، ومنذ اليوم الأوّل هذّبوا أنفسهم وطهّروا قلوبهم ، وصدقوا في نواياهم ، فبلغوا القمّة في الكمال والجمال ، وصاروا بدور العلم وشموس الحوزات ، يستضاء بنورهم المشرق.
فما أعظم مواقف اُولئك الأفذاذ والعباقرة في التقوى والعلم؟!
فهذا الشيخ عباس القمي في صلاة الليل عندما يقرأ سورة (يس) ويصل إلى هذه الآية الشريفة :
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتي كُنْتُمْ توعَدونَ).
يكرّرها حتّى يتغيّر حاله ويتعوّذ من النار ، ولم يتمكّن من إكمال السورة حتّى صلاة الصبح ، ومع هذه المرتبة من التقوى والخشوع عندما يتقدّم لصلاة الجماعة في گوهرشاد ، وبعد أيّام يكتضّ المسجد بالمصلّين ، وإذا بالشيخ بعد صلاة الظهر يخرج من المسجد ، وحينما يُسأل عن سبب ذلك ، يجيب : إنّي في ركوع الركعة الرابعة من صلاة الظهر سمعت أحد المصلّين يقول : يا الله ، إنّ الله مع الصابرين ، ويريد أن يلتحق بالجماعة وكان صوته من بعيد فتبادر إلى ذهني كثرة المصلّين ممّـا أوجب الاضطراب في نيّتي ، فخفت أن لا أكون مخلصاً في صلاتي فتركت الجماعة.
وأحد تلامذة العلاّمة الطباطبائي أربعين عاماً يطلب منه أن يصلّي خلفه جماعة فكان العلاّمة يأبى ويمتنع عن ذلك.
وهذا شريف العلماء اُستاذ الشيخ الأنصاري لم يكن يرضى أن يصليّ إماماً ، ولكن عندما أصرّ عليه الناس ذات مرّة وافق وصلّى ، وأثناء الصلاة انصرف ذهنه لا إراديّاً إلى حلّ مسألة علميّة ، فلم يصلّ بعد تلك الصلاة ، إذ أنّه لم يرَ نفسه أهلا لذلك.