قبل هرمك ، وصحّتك قبل سقمك ، ودنياك قبل آخرتك ، وحياتك قبل مماتك ، وفراغك قبل شغلك.
والعلم في الصغر كالنقش في الحجر ، ومثل الذي يتعلّم في كبره كالذي يكتب على البحر ، وما اُوتي عالم علماً إلاّ وهو شابّ ، فيلزم طالب العلم أن يستغلّ وقته ، منذ الصغر ، وفي بداية أمره وتعلّمه « ينبغي لطالب العلم أن يكون مستفيداً في كلّ وقت حتّى يحصل له الفضل ، وطريق الاستفادة أن يكون معه في كلّ وقت (قلم وقرطاس) حتّى يكتب ما يسمع من الفوائد ، قيل : (ما حفظ فرّ ، وما كتب قرّ) ، قيل : (العلم ما يؤخذ من أفواه الرجال ، لأنّهم يحفظون أحسن ما يسمعون ، ويقولون أحسن ما يحفظون) ، ووصّى شخص لابنه بأن يحفظ كلّ يوم شقصاً من العلم ، فإنّه يسير وعن قريب يصير كثيراً ، فالعلم كثير والعمر قصير ، فينبغي أن لا يضيّع الطالب له الأوقات والساعات ، ويغتنم الليالي والخلوات ، قيل : (الليل طويل فلا تقصّره بمنامك ، والنهار مضيء فلا تكدّره بآثامك).
وينبغي لطالب العلم أن يغتنم الشيوخ ويستفيد منهم ، ولا يتحسّر لكلّ ما فات ، بل يغتنم ما حصل له في الحال والاستقبال من تحميل المشاقّ والمذلّة في طلب العلم والتملّق مذموم ، إلاّ في طلب العلم ، فإنّه لا بدّ له من التملّق للاُستاذ والشركاء وغيرهم للاستفادة ، وقيل : (العلم عزّ لا ذلّ فيه ، ولا يدرك إلاّ بذلٍّ لا عزّ فيه) » (١).
« قيل : وقت التعلّم من المهد إلى اللحد ، وأفضل أوقاته شرع الشباب ، ووقت السحر وما بين العشائين ، وينبغي أن يستغرق جميع أوقاته ، فإذا ملّ من علم
__________________
١ ـ آداب المتعلّمين ، جامع المقدّمات ٢ : ٥٧.