يشتغل بعلم آخر ، وكان محمّد بن الحسن لا ينام الليل ، وكان يضع عنده دفاتر إذا ملّ من نوع ينظر إلى نوع آخر ، وكان يضع عنده الماء ويزيل نومه بالماء ، وكان يقول : النوم من الحرارة » (١).
وبنظري على طالب العلم أن يطالع كثيراً ، ليل نهار ، والمطالعة كباقي الصفات والأعمال من قسم العادة ، فإذا اعتاد الإنسان عليها ، فإنّه من الصعب تبديل العادة ، فإنّها طبيعة ثانويّة في الإنسان ، فلا بدّ أن يعوّد نفسه على المطالعة مع مراعاة شرائطها وآدابها ، وثمرتها أنّ سماء ذهن المطالع تمتلئ من الأسحبة المختلفة والمتفاوتة ، وهذا يعني أنّه يطالع كلّ شيء حتّى القصص البوليسيّة ، ونتيجة المطالعات الكثيرة والمختلفة ، أنّها في سماء الذهن تصطدم بعضها مع بعض فيتولّد منها الرعد والبرق ، ثمّ المطر والوابل ـ كما في سماء الطبيعة ـ وهي التي تسمّى بالرشحات الفكريّة ، والنتائج العقلانيّة ، ويأتي للمجتمع بشيء جديد ، وموضوع لم يسمع من قبل ، ويقال : فلان العالم منظّر وأنّه صاحب نظرية جديدة ، وفكر عملاق ، وما شابه ذلك من الكلمات التي تنبئ عن أمر مبتكر جديد.
ثمّ على طالب العلم أن يتأمّل فيما يقرأه ويطالعه ويدرسه (ينبغي لطالب العلم أن يكون متأمّلا في جميع الأوقات في دقائق العلوم ، ويعتاد ذلك ، فإنّما يدرك الدقائق بالتأمّل ، ولهذا قيل : « تأمّل تدرك » ، ولا بدّ من التأمّل قبل الكلام حتّى يكون صواباً ، فإنّ الكلام كالسهم ، فلا بدّ من تقديمه بالتأمّل قبل الكلام ، حتّى يكون ذكره مصيباً في اُصول الفقه ، هذا أصل كبير ، وهو أن يكون كلام الفقيه المناظر بالتأمّل ، ويكون مستفيداً في جميع الأحوال والأوقات ، وعن جميع الأشخاص ، قال
__________________
١ ـ آداب المتعلّمين ، جامع المقدّمات ٢ : ٥٧.