والمناصب وكراسي القضاء ووو... ولكنه وأتباعه عجزوا عن أبي حنيفة ، فضايقوه ونكّلوا به بلا جدوى ، إلاّ أنهم أفلحوا من بعد في استدراج تلميذه القاضي أبي يوسف.
وقد بقي الإمام جعفر بن محمد الصادق رائد مدرسة التعبد المحض آنذاك ، وصاحب الوضوء الثنائي المسحي ، سداً منيعاً في طريق غايات المنصور والعباسيين ، فراح المنصور يتّخذ شتى الأساليب محاولاً إفحامه.
فدعا المنصور أبا حنيفة لإعجاز الإمام بمسائل عويصة ولكنّه لم يفلح ، بل أذعن أبوحنيفة بأن الصادق عليهالسلام أعلم الناس (١).
فأخذ المنصور يدعو إلى الأخذ بمذهب مالك ، فدعاه وأمره بتدوين العلم وجعله علماً واحداً يحمل الناسَ عليه (٢) ، راسماً له المنهج في أن لايقلّد عليّاً وابن عباس ، وأن يأخذ بأقوال ابن عمر وإن خالف علياً وابن عباس (٣) ، علماً بأنّ مالكاً كان ينفرد بتفضيل الخلفاء الثلاثة ـ دون علي عليهالسلام ـ على سائر الصحابة ، والحكومة لا تعدّ عليّاً إلاّ كسائر الناس (٤).
______________________________
(١) اُنظر : مناقب أبي حنيفة للموفق الخوارزمي ١ : ٧٣ ، جامع أسانيد أبي حنيفة ١ : ٢٢٢. تذكرة الحفّاظ ١ : ١٦٦. أسنى المطالب ٥٥.
(٢) ترتيب المدارك ١ : ١٩٢. وفيه أيضا أنّ الموطّأ كُتب تحت ظل الدولة العباسية ، حيث روى أبو مصعب : أنّ أبا جعفر المنصور قال لمالك : ضع للناس كتاباً أحملهم عليه ... فوضع الموطّأ ...
(٣) الطبقات الكبرى ٤ : ١٤٧ ، واُنظر : الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ١ : ٥٠٤.
(٤) موقف الخلفاء العباسيين : ١٧٠.