الخطاب ، شجاع القلب ـ فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن لأعبد ربا لم أره!.
فقال : يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ قال : يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذعلب ـ إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، قبل كل شيء لا يقال شيء قبله ، وبعد كل شيء لا يقال له بعد ، شاء الأشياء لا بهمة ، دراك لا بخديعة ، هو في الأشياء غير متمازج بها ولا بائن ، عنها ـ ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، بائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تحويه الأماكن ، ولا تصحبه الأوقات ، ولا تحده الصفات ، ولا تأخذه السنات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجسوء بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، وذلك قوله عز وجل : « وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » ، ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه غير خلقه ، كان ربا ولا مربوب ، وإلها إذ لا مألوه ، وعالما إذ لا معلوم ، وسميعا إذ لا مسموع. ثم أنشأ يقول :
ولم يزل سيدي بالحمد معروفا |
|
ولم يزل سيدي بالجود موصوفا |
وكان إذ ليس نور يستضاء به |
|
ولا ظلام على الآفاق معكوفا |
فربنا بخلاف الخلق كلهم |
|
وكل ما كان في الأوهام موصوفا |
الأبيات.
أقول : وكلامه عليهالسلام ـ كما ترى ـ مسوق لبيان معنى أحدية الذات في جميع ما يصدق عليه ويرجع إليه ، وأنه تعالى غير متناهي الذات ولا محدودها ، فلا يقابل