الذي هو الأكل من المائدة السماوية ليحسموا به مادة الحزازة عن اقتراحهم الآية بعد مشاهدة الآيات الكافية فأجابهم عيسى (عليهالسلام) إلى مسألتهم بعد الإصرار.
قوله تعالى : « قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » خلط (عليهالسلام) نفسه بهم في سؤال المائدة ، وبدأ بنداء ربه بلفظ عام فقال : « اللهُمَّ رَبَّنا » وقد كانوا قالوا له : « هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ » ليوافق النداء الدعاء.
وقد توحد هذا الدعاء من بين جميع الأدعية والمسائل المحكية في القرآن عن الأنبياء عليهمالسلام بأن صدر « باللهم ربنا » وغيره من أدعيتهم مصدر بلفظ « رب » أو « ربنا » وليس إلا لدقة المورد وهول المطلع ، نعم يوجد في أقسام الثناء المحكية نظير هذا التصدير كقوله : « قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ » : النمل : ٥٩ وقوله : « قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ » : آل عمران : ٢٦ وقوله : « قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » : الزمر : ٤٦.
ثم ذكر (عليهالسلام) عنوانا لهذه المائدة النازلة هو الغرض له ولأصحابه من سؤال نزولها وهو أن تنزل فتكون عيدا له ولجميع أمته ، ولم يكن الحواريون ذكروا فيما اقترحوه أنهم يريدون عيدا يخصون به لكنه (عليهالسلام) عنون ما سأله بعنوان عام وقلبه في قالب حسن ليخرج عن كونه سؤالا للآية مع وجود آيات كبري إلهية بين أيديهم وتحت مشاهدتهم ، ويكون سؤالا مرضيا عند الله غير مصادم لمقام العزة والكبرياء فإن العيد من شأنه أن يجمع الكلمة ، ويجدد حياة الملة ، وينشط نفوس العائدين ، ويعلن كلما عاد عظمة الدين.
ولذلك قال : « عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا » أي أول جماعتنا من الأمة وآخر من يلحق بهم ـ على ما يدل عليه السياق ـ فإن العيد من العود ولا يكون عيدا إلا إذا عاد حينا بعد حين ، وفي الخلف بعد السلف من غير تحديد.
وهذا العيد مما اختص به قوم عيسى (عليهالسلام) كما اختصوا بنوع هذه الآية النازلة على ما تقدم بيانه.
وقوله : « وَآيَةً مِنْكَ » لما قدم مسألة العيد وهي مسألة حسنة جميلة لا عتاب عليها عقبها بكونها آية منه تعالى كأنه من الفائدة الزائدة المترتبة على الغرض الأصلي