بكل شيء ومنها نفس عيسى بن مريم بخصوصه.
ومع ذلك لم يستوف حق البيان في وصف علمه تعالى فإنه سبحانه يعلم كل شيء ، لا كعلم أحدنا بحال الآخر وعلم الآخر بحاله ، بل يعلم ما يعلم بالإحاطة به من غير أن يحيط به شيء ولا يحيطون به علما فهو تعالى إله غير محدود وكل من سواه محدود مقدر لا يتعدى طور نفسه المحدود ، ولذلك ضم عليهالسلام إلى الجملة جملة أخرى فقال : « تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ».
أما قوله : « إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ » ففيه بيان العلة لقوله : « تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي » « إلخ » ، وفيه استيفاء حق البيان من جهة أخرى وهو رفع توهم أن حكم العلم في قوله : « تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » مقصور بما بينه وبين ربه لا يطرد في كل شيء فبين بقوله : « إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ » أن العلم التام بجميع الغيوب منحصر فيه فما كان عند شيء من الأشياء وهو غيب عن غيره فهو معلوم لله سبحانه وهو محيط به.
ولازم ذلك أن لا يعلم شيء من الأشياء بغيبه تعالى ولا بغيب غيره الذي هو تعالى عالم به لأنه مخلوق محدود لا يتعدى طور نفسه فهو علام جميع الغيوب ، ولا يعلم شيء غيره تعالى بشيء من الغيوب لا الكل ولا البعض.
على أنه لو أحيط من غيبه تعالى بشيء فإن أحاط تعالى به لم يكن هذا المحيط محيطا حقيقة بل محاطا له تعالى ملكه الله بمشيئته أن يحيط بشيء من ملكه من غير أن يخرج بذلك من ملكه كما قال تعالى : « وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ » : البقرة : ٢٥٥.
وإن لم يحط سبحانه تعالى بما أحاط به كان مضروبا بحد فكان مخلوقا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قوله تعالى : « ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ » لما نفى عليهالسلام القول المسئول عنه عن نفسه بنفي سببه أولا نفاه ببيان وظيفته التي لم يتعدها ثانيا فقال : « ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ » « إلخ » ، وأتى فيه بالحصر بطريق النفي والإثبات ليدل على الجواب بنفي ما سئل عنه وهو القول : « اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ».
وفسر ما أمره به ربه من القول بقوله : « أَنِ اعْبُدُوا اللهَ » ثم وصف الله سبحانه