وصل وتفريع : « (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) ، إلخ ».
فالآية كالصالحة لأن يوضع موضع البيان السابق ، ومفادها أنه لا عهدة علي فيما وقعوا فيه من الشرك الشنيع ، ولم أداخل أمرهم في شيء حتى أشاركهم فيما بينك وبينهم من الحكم عليهم بما شئت فهم وحكمك في حقهم بما أردت ، وهم وصنعك فيهم بما صنعت ، إن تعذبهم بما حكمت فيمن أشرك بك بدخول النار فإنهم عبادك ، وإليك تدبير أمرهم ، ولك أن تسخط عليهم به لأنك المولى الحق وإلى المولى أمر عباده ، وأن تغفر لهم بإمحاء أثر هذا الظلم العظيم فإنك أنت العزيز الحكيم لك حق العزة والحكمة ، وللعزيز (وهو الذي له من الجدة والقدرة ما ليس لغيره) ولا سيما إذا كان حكيما (لا يقدم على أمر إلا إذا كان مما ينبغي أن يقدم عليه) أن يغفر الظلم العظيم فإن العزة والحكمة إذا اعتنقتا في فاعل لم تدعا قدرة تقوم عليه ولا مغمضة في ما قضى به من أمر.
وبما تقدم من البيان ظهر أولا : أن قوله : « فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ » بمنزلة أن يقال : « فإنك مولاهم الحق » على ما هو دأب القرآن من ذكر أسماء الله بعد ذكر أفعاله كما في آخر الآية.
وثانيا : أن قوله : « فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ليس مسوقا للحصر بل الإتيان بضمير الفصل وإدخال اللام في الخبر للتأكيد ، ويئول معناه إلى أن عزتك وحكمتك مما لا يداخله ريب فلا مجال للاعتراض عليك إن غفرت لهم.
وثالثا : أن المقام (مقام المشافهة بين عيسى بن مريم عليهالسلام وربه) لما كان مقام ظهور العظمة الإلهية التي لا يقوم لها شيء كان مقتضاه أن يراعي فيه جانب ذلة العبودية للغاية بالتحرز عن الدلال والاسترسال والتجنب عن مداخلة في الأمر بدعاء أو سؤال ، ولذلك قال (ع) : « وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ولم يقل « فإنك غفور رحيم » لأن سطوع آية العظمة والسطوة الإلهية القاهرة الغالبة على كل شيء لا يدع للعبد إلا أن يلتجئ إليه بما له من ذلة العبودية ومسكنة الرقية والمملوكية المطلقة ، والاسترسال عند ذلك ذنب عظيم.
وأما قول إبراهيم (عليهالسلام) لربه : « (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : إبراهيم : ٣٦ فإنه من مقام الدعاء وللعبد أن يثير فيه ناشئة الرحمة الإلهية