شريعته وكان الأمر في عصيان آدم وزوجته على هذه الوتيرة فقد ظلما أنفسهما بالأكل من الشجرة قبل أن يشرع الله شريعة بين النوع الإنساني فإنما أسس الله الشرائع كائنة ما كانت بعد هبوطهما من الجنة إلى الأرض.
ومجرد النهي عن اقتراب الشجرة لا دليل على كونه مولويا مستلزما لتحقق المعصية المصطلحة بمخالفته ، مع أن القرائن قائمة على كون النهي المتعلق بهما إرشاديا كما في آيات سورة طه على ما بيناه في تفسير قصة جنة آدم في الجزء الأول من الكتاب.
على أن الكتاب الإلهي نص في كون موسى عليهالسلام مخلصا ، وأن إبليس لا سبيل له إلى إغواء المخلصين من عباد الله تعالى ومن الضروري أن لا معصية بدون إغواء إبليس قال الله تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا » : مريم : ٥١ وقال تعالى : « قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » : ص : ٨٣.
ومن هنا يظهر أن المراد بالمغفرة المسئولة في دعائه كما في دعائهما « عليهالسلام » ليست هي إمحاء العقاب الذي يكتبه الله على المجرمين كما في المعاصي المولوية بل إمحاء الآثار السيئة التي كان يستتبعها الظلم على النفس في مجرى الحياة فقد كان موسى عليهالسلام يخاف أن يفشو أمره ويظهر ما هو ذنب له عندهم فسأله تعالى أن يستر عليه ويغفره ، والمغفرة في عرف القرآن أعم من إمحاء العقاب بل هي إمحاء الأثر السيئ كائنا ما كان ، ولا ريب أن أمر الجميع بيد الله سبحانه.
ونظير هذا من وجه قول نوح عليهالسلام فيما تقدم من دعائه « وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي » أي وإن لم تؤدبني بأدبك ، ولم تعصمني بعصمتك ووقايتك وترحمني بذلك أكن من الخاسرين ، فافهم ذلك.
ومنه دعاؤه عليهالسلام أول ما ألقي إليه الوحي وبعث بالرسالة إلى قومه على ما حكاه الله قال تعالى : « قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً » : طه : ٣٥.