ينصح عليهالسلام لما بعث لها من الدعوة الدينية ويذكر لربه ـ على ما يفيده الكلام بإعانة من المقام ـ إنك كنت بصيرا بحالي أنا وأخي أنا منذ نشأنا نحب تسبيحك ، وقد حملتني الليلة ثقل الرسالة وفي نفسي من الحدة وفي لساني من العقدة ما أنت أعلم به وإني أخاف أن يكذبوني أن دعوتهم إليك وبلغتهم رسالتك فيضيق صدري ولا ينطلق لساني فاشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، وهذا رفع التحرج الذي ذكره الله بقوله : « ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ » : الأحزاب : ٣٨ (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) وأخي هارون أفصح مني لسانا وهو من أهلي فأشركه في هذا الأمر واجعله وزيرا لي كي نسبحك ـ كما كنا نحبه ـ كثيرا ونذكرك عند ملإ الناس بالتعاضد كثيرا ؛ فهذا محصل ما سأله عليهالسلام ربه من أسباب الدعوة والتبليغ ، والأدب الذي استعمل فيه أن ذكر غايته وغرضه من أسئلته لئلا يوهم كلامه أنه يسأل ما يسأل لنفسه فقال : « كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً » واستشهد على صدقه في دعواه بعلم الله نفسه بإلقاء أنفسهما بين يديه وعرضها عليه فقال : « إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً » وعرض السائل المحتاج نفسه في حاجتها على المسئول الغني الجواد من أقوى ما يهيج عاطفة الرحمة لأنه يفيد إراءة نفس الحاجة فوق ما يفيده ذكر الحاجة باللسان الذي لا يمتنع عليه أن يكذب.
ومنه ما حكى الله عنه مما دعا به على فرعون وملئه إذ قال : « وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ، قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » : يونس : ٨٩.
الدعاء لموسى وهارون ولذلك صدر بكلمة « رَبَّنا » ويدل عليه ما في الآية التالية : « قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما » دعوا أولا على أموالهم أن يطمس الله عليها ثم على أنفسهم أن يشد الله على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فلا يقبل إيمانهم كما قال تعالى : « يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » : الأنعام : ١٥٨ أي انتقم منهم بتحريم الإيمان عليهم بمفاجاة العذاب كما حرموه على عبادك بإضلالهم ، وهذا أشد ما يمكن أن يدعى به على أحد فإنه الدعاء بالشقوة الدائمة ولا شيء شرا منه بالنسبة إلى إنسان.