كانوا متلبسين بالإيمان ـ أي كان الدين لهم دينا ـ لم يكن لهم بد من تقوى الله في أمرهم أي عدم اتخاذهم أولياء.
ومن المحتمل أن يكون قوله : « وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » إشارة إلى ما ذكره تعالى من نحو قوله قبيل آيات : « وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ » والمعنى : واتقوا الله في اتخاذهم أولياء إن لم تكونوا منهم ، والمعنى الأول لعله أظهر.
قوله تعالى : « وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً » (إلخ) تحقيق لما ذكر أنهم يتخذون دين الذين آمنوا هزوا ولعبا ، والمراد بالنداء إلى الصلاة الأذان المشروع في الإسلام قبل الصلوات المفروضة اليومية ، ولم يذكر الأذان في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع ـ كما قيل ـ.
والضمير في قوله « اتَّخَذُوها » راجع إلى الصلاة أو إلى المصدر المفهوم من قوله : « (إِذا نادَيْتُمْ) أعني المناداة ، ويجوز في الضمير العائد إلى المصدر التذكير والتأنيث ، وقوله : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ » تذييل يجري مجرى الجواب عن فعلهم وبيان أن صدور هذا الفعل أعني اتخاذ الصلاة أو الأذان هزوا ولعبا منهم إنما هو لكونهم قوما لا يعقلون فلا يسعهم أن يتحققوا ما في هذه الأركان والأعمال العبادية الدينية من حقيقة العبودية وفوائد القرب من الله ، وجماع سعادة الحياة في الدنيا والعقبى.
قوله تعالى : « قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ » (إلى آخر الآية) قال الراغب في مفردات القرآن : نقمت الشيء (بالكسر) ونقمته (بالفتح) إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة ، قال تعالى : « (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ) ، (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) ، (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) » (الآية) والنقمة : العقوبة قال تعالى : « فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ » انتهى.
فمعنى قوله : « هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا » « إلخ » : هل تنكرون أو تكرهون منا إلا هذا الذي تشاهدونه وهو أنا آمنا بالله وما أنزله وإنكم فاسقون؟ نظير قول القائل : هل تكره مني إلا أني عفيف وأنك فاجر ، وهل تنكر مني إلا أني غني وأنك فقير؟ إلى غير ذلك من موارد المقابلة والازدواج فالمعنى : هل تنكرون منا إلا أنا مؤمنون وأن أكثركم فاسقون.