أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) » : الأعراف : ١٥٦ فما ظنك به تعالى بعد ما قال لموسى عليهالسلام جوابا لمسألته : « (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
وقد ذكر تعالى صريح عفوه عن هؤلاء ، وإجابته إلى مسألته موسى عليهالسلام بإعادة الحياة إليهم وقد أهلكوا وردهم إلى الدنيا بقوله : « (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : البقرة : ٥٦ ويقرب من ذلك ما في سورة النساء.
وقد استعمل عليهالسلام من الأدب في كلامه حيث قال : « تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ » لم يذكر أن ذلك من سوء اختيار هؤلاء الضالين لينزهه تعالى لفظا كما كان ينزهه قلبا فيكون على حد قوله تعالى : « يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ » : البقرة : ٢٦ لأن المقام كان يصرفه عن التعرض إلا لكونه تعالى وليا على الإطلاق ينتهي إليه كل التدبير لا غير.
ولم يورد في الذكر أيضا عمدة ما في نفسه من المسألة وهو أن يحييهم الله سبحانه بعد الإهلاك لأن الموقف على ما كان فيه من هول وخطر كان يصرفه عن الاسترسال ، وإنما أشار إليه إشارة بقوله : « (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) ، إلخ ».
ومن دعائه عليهالسلام ما دعا به حين رجع إلى قومه من الميقات فوجدهم قد عبدوا العجل من بعده ، وقد كان الله سبحانه أخبره بذلك قال تعالى « وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ، قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » : « الأعراف : ١٥٠ فعند ذلك رق له ودعا له ولنفسه ليمتازا بذلك من القوم الظالمين : « قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » : الأعراف : ١٥١.
ولم يكن يريد التميز منهم وأن يدخلهما الله في رحمته إلا لما كان يعلم أن الغضب الإلهي سينال القوم بظلمهم كما ذكره الله بقوله بعد ذلك : « إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » : الأعراف : ١٥٢ ويعرف بما تقدم وجوه من الأدب في كلامه.