ومن دعائه عليهالسلام ـ وهو في معنى الدعاء على قومه إذ قالوا له حين أمرهم بدخول الأرض المقدسة : « يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ » : المائدة : ٢٤ ـ ما حكاه الله تعالى بقوله : « قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ » : المائدة : ٢٥.
وقد أخذ عليهالسلام بالأدب الجميل حيث كنى عن الإمساك عن أمرهم وتبليغهم أمر ربهم ثانيا بعد ما جبهوا أمره الأول بأقبح الرد وأشنع القول بقوله : « رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي » أي لا يطيعني فيما أمرته إلا نفسي وأخي أي إنهم ردوا علي بما لا مطمع فيهم بعده ، فها أنا أكف عن أمرهم بأمرك وإرشادهم إلى ما فيه صلاح جماعتهم.
وإنما نسب ملك نفسه وأخيه إلى نفسه لأن مراده من الملك بقرينة المقام ملك الطاعة ولو كان هو الملك التكويني لم ينسبه إلى نفسه إلا مع بيان أن حقيقته لله سبحانه ، وإنما له من الملك ما ملكه الله إياه ، ولما عرض لربه من نفسه الإمساك واليأس عن إجابتهم إليه أحال الحكم في ذلك فقال : « فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ».
ومن ذلك ما دعا به شعيب عليهالسلام على قومه إذ قال : « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ » : الأعراف : ٨٩.
وهذا استنجاز منه للوعد الإلهي بعد ما يئس من نجاح دعوته فيهم ، ومسألة للقضاء بينه وبينهم بالحق على ما قاله الله تعالى : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ » : يونس : ٤٨.
وإنما قال « بَيْنَنا » لأنه ضم المؤمنين به إلى نفسه ، وقد كان الكافرون من قومه هددوا إياه والمؤمنين به جميعا إذ قالوا : « لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا » : الأعراف : ٨٨ فضمهم إلى نفسه وهاجر قومه في عملهم وسار بهم إلى ربه وقال : « (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا) ، إلخ ».
وقد استمسك في دعائه باسمه الكريم : « خَيْرُ الْفاتِحِينَ » لما مر أن التمسك بالصفة المناسبة لمتن الدعاء تأييد بالغ بمنزلة الإقسام ، وهذا بخلاف قول موسى عليهالسلام : « (رَبِ