إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) » المنقول آنفا لما تقدم أن لفظه ع ليس بدعاء حقيقة بل هو كناية عن الإمساك عن الدعوة وإرجاع للأمر إلى الله فلا مقتضى للإقسام بخلاف قول شعيب.
ومن ذلك ما حكاه الله من ثناء داود وسليمان عليهالسلام قال تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ » : النمل : ١٥.
وجه الأدب في حمدهما وشكرهما ونسبة ما عندهما من فضيلة العلم إلى الله سبحانه ظاهر ، فلم يقولا مثل ما حكى عن غيرهما كقول قارون لقومه إذ وعظوه أن لا يستكبر في الأرض بماله : « إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي » : القصص : ٧٨ وكما حكى الله عن قوم آخرين : « فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ » : المؤمن : ٨٣.
ولا ضير في الحمد على تفضيل الله إياهما على كثير من المؤمنين فإنه من ذكر خصوص النعمة وبيان الواقع ، وليس ذلك من التكبر على عباد الله حتى يلحق به ذم ، وقد ذكر الله عن طائفة من المؤمنين سؤال التفضيل ومدحهم على علو طبعهم وسمو همتهم حيث قال : « (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا ـ إلى أن قال ـ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) » : الفرقان : ٧٤.
ومن ذلك ما حكاه عن سليمان عليهالسلام في قصة النملة بقوله : « حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ » : النمل : ١٩.
ذكرته النملة بما قالته ما له من الملك العظيم الذي شيدت أركانه بتسخير الريح تجري بأمره ، والجن يعملون له ما يشاء والعلم بمنطق الطير وغيره غير أن هذا الملك لم يقع في ذكره عليهالسلام في صورة أجلى أمنية يبلغها الإنسان كما فينا ولم ينسه عبوديته ومسكنته بل إنما وقع في نفسه في صورة نعمة أنعمها عليه ربه فذكر ربه ونعمته أنعمها عليه وعلى والديه بما خصهم به ، وهو من مثله عليهالسلام والحال هذا الحال أفضل الأدب مع ربه.
وقد ذكر نعمة ربه ، وهي وإن كانت كثيرة في حقه غير أن مورد نظره عليهالسلام والمقام ذاك المقام ـ هو الملك العظيم والسلطة القاهرة ، ولذلك ذكر العمل الصالح