عتب عليك لأنك عزيز غير مغلوب وحكيم لا يفعل الفعل السفهي اللغو ، وإنما يفعل ما هو الأصلح.
وبما بينا يظهر وجوه لطيفة من أدب العبودية في كلامه عليهالسلام ولم يورد جملة في كلامه إلا وقد مزجها بأحسن الثناء بأبلغ بيان وأصدق لسان.
ومن ذلك ما حكاه الله تعالى عن نبيه محمد صلىاللهعليهوآله ، وقد ألحق به في ذلك المؤمنين من أمته فقال تعالى : « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ » : البقرة : ٢٨٦.
كلامه تعالى ـ كما ترى ـ يحكي إيمان النبي صلىاللهعليهوآله بالقرآن الكريم فيما اشتمل عليه من أصول المعارف ، وفيما اشتمل عليه من الأحكام الإلهية جميعا ، ثم يلحق به صلىاللهعليهوآله المؤمنين من أمته دون المعاصرين الحاضرين عنده صلىاللهعليهوآله منهم فحسب ، بل المؤمنين من جميع الأمة على ما هو ظاهر السياق.
ولازم ذلك أن يكون ما ذكر فيه من إقرار أو ثناء أو دعاء بالنسبة إلى بعضهم محكيا عن لسان حالهم ، وإن أمكن أن يكون ذلك مما قاله آخرون بلسان قالهم ، أو يكون النبي صلىاللهعليهوآله هو القائل ذلك مشافها ربه عن نفسه الشريفة وعن المؤمنين لأنهم بإيمانهم من فروع شجرة نفسه الطيبة المباركة.
والآيتان تشتملان على ما هو كالمقايسة والموازنة بين أهل الكتاب وبين مؤمني هذه الأمة من حيث تلقيهم ما أنزل إليهم في كتاب ، الله وإن شئت قلت : من حيث تأدبهم بأدب العبودية تجاه الكتاب النازل إليهم ، فإنه ظاهر ما أثنى الله سبحانه على هؤلاء وخفف الله عنهم في الآيتين بعين ما وبخ أولئك عليه وعيرهم به في الآيات السابقة من سورة البقرة فقد ذم أهل الكتاب بالتفريق بين ملائكة الله فأبغضوا جبريل وأحبوا غيره ، وبين كتب الله المنزلة فكفروا بالقرآن وآمنوا بغيره ، وبين رسل الله فآمنوا