أقول : والتوكل على الله وتفويض الأمور إليه والتبري من الحول والقوة واستنزال الهدى من الله يرجع بعضها إلى بعض وينشأ الجميع من أصل واحد ، وهو أن للأمور استنادا إلى الإرادة الإلهية الغالبة غير المغلوبة والقدرة القاهرة غير المتناهية ، وقد أطبق على الندب إلى ذلك الكتاب والسنة كقوله تعالى : « وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ » : إبراهيم : ١٢ وقوله : « وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ » : المؤمن : ٤٤ وقوله : « وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ » : الطلاق : ٣ وقوله : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » : الأعراف : ٥٤ وقوله : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » : النجم : ٤٢ إلى غير ذلك من الآيات ، والروايات في هذه المعاني فوق حد الإحصاء.
والتخلق بهذه الأخلاق والتأدب بهذه الآداب على أنه يجري بالإنسان مجرى الحقائق ويطبق عمله على ما ينبغي أن ينطبق عليه من الواقع ويقره على دين الفطرة فإن حقيقة الأمر هو رجوع الأمور بحسب الحقيقة إلى الله سبحانه كما قال : « أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ » : الشورى : ٥٣ ، له فائدة قيمة هي أن اتكاء الإنسان واعتماده على ربه ـ وهو يعرفه بقدرة غير متناهية وإرادة قاهرة غير مغلوبة ـ يمد إرادته ويشيد أركان عزيمته فلا ينثلم عن كل مانع يبدو له ، ولا تنفسح عن كل تعب أو عناء يستقبله ، ولا يزيلها كل تسويل نفساني ووسوسة شيطانية تظهر لسره في صورة الخطورات الوهمية.
(من سننه وأدبه في العشرة)
١٨ ـ وفي إرشاد الديلمي ، قال : كان النبي صلىاللهعليهوآله يرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويحلب شاته ، ويأكل مع العبد ويجلس على الأرض ، ويركب الحمار ويردف ، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله ، ويصافح الغني والفقير ، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو ، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير ، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر.
وكان صلىاللهعليهوآله خفيف المئونة ، كريم الطبيعة ، جميل المعاشرة ، طلق الوجه ، بساما من غير ضحك ، محزونا من غير عبوس ، متواضعا من غير مذلة ، جوادا من غير سرف ـ رقيق القلب ، رحيما بكل مسلم ، ولم يتجش من شبع قط ، ولم يمد يده إلى طمع قط.
١٩ ـ وفي مكارم الأخلاق ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : أنه كان ينظر في المرآة ويرجل