والمائة والألف.
ليس يلزمك أن تسلك هذا السبيل على بعدها ـ إن كان بعيدا ـ فقد يجزيك أن تتأمل أخبار ما يقاسيه أهل الجزائر من فرنسا منذ سنين من إبادة النفوس وتخريب البلاد والتشديد على أهله ، وما تلقاه الممالك العربية من الإنجليز ، وما يتحمله السودان والحمر في أميركا ، والأوروبة الشرقية من الجمهوريات الاشتراكية ، وما نكابده نحن من أيدي هؤلاء وأولئك ، كل ذلك في لفظه نصح وإشفاق ، وفي معناه استعباد واسترقاق!.
فظهر من جميع ما مر أنهم أخذوا في مرحلة العمل بما شرعه الإسلام من إباحة وسلب إطلاق الحرية عند وجود سببها الفطري الذي هو حرب من يريد هدم المجتمع وإهلاك الإنسانية ، وهو حكم مشروع في شريعة الفطرة له أصل واقعي لا يتغير وهو حاجة الإنسانية في بقائها إلى دفع ما يطاردها وجودا ويناقضها بقاء ثم أصل اجتماعي عقلائي لا يتبدل متفرع على أصله الواقعي وهو وجوب حفظ المجتمع الإنساني عن الانعدام والانهدام.
فهذا هو الذي راموه في عملهم وأخذوه معنى وأنكروه اسما غير أنهم تعدوا هذا القسم المشروع إلى غيره غير المشروع وهو الاستعباد بسبب الغلبة والسلطة فلا يزالون يستعبدون الألوف والملايين قبل حديث الإلغاء وبعده ، ويبيعون ويشترون ويهبون ويعيرون إلا أنهم لا يسمون ذلك استعبادا ، وإنما يسمى استعمارا أو استملاكا أو قيمومة أو حماية أو عناية وإعانة أو غير ذلك من الألفاظ التي لا يراد بشيء منها إلا أن يكون سترة على معنى الاستعباد ، وكلما خلق أو خرق شيء منها رمي به وجيء بآخر.
ولم يبق مما نسخه قرار بروسل ولا يزال يقرع به أسماع الدنيا وأهلها ويتباهى به الدول المتمدنة الذين هم رواد المدنية الراقية ، وبأيديهم راية الحرية الإنسانية إلا الاستعباد من طريق بيع الأبناء والبنات والإخصاء ولا فائدة هامة فيه تعود إليهم مع كونه أشبه بالمسألة الفردية منه بالمسألة الاجتماعية ، ونسخه مع ذلك حجة لفظية تبليغية بأيديهم كسائر حججهم التي لا تعدو مقام اللفظ وتؤثر أثر المعنى.
نعم يبقى هناك محل بحث آخر وهو أن الإسلام يبدأ في غنائمه الحربية من رقيق أو مال غير الأرض المفتوحة عنوة بالأفراد من مجتمعة فيقسمها بينهم ثم ينتهي إلى الدولة