لكن هذا المقدار أعني ارتفاع اسم الاستعباد والاسترقاق من الألسنة وغيبة المسمين بهذا الاسم عن الأنظار هل يقنع الباحث الناقد في هذه المسألة؟ أوليس يسأل أن هذه المسألة هل هي مسألة لفظية يجزي فيها المنع من أن يذكر الاسم ، ويكفي في إجرائها أن يسمى العبد حرا وإن سلب منافع عمله وتبع غيره في إرادته ، أو أن المسألة معنوية يراعى فيها حال المعنى بحسب حقيقته وآثاره الخارجية؟.
فهاتيك الحرب العالمية الثانية لم يمض عليها إلا بضع عشرة سنة حملت الدول الفاتحة على عدوها المغلوب التسليم بلا شرط ثم احتلوا بلادهم ، وأخذوا ملايين من أموالهم ، وتحكموا على نفوسهم وذراريهم ، ونقلوا الملايين من أسراهم إلى داخل مملكتهم يستعملونهم فيما شاءوا وكيف شاءوا ، والأمر يجري على ذلك حتى اليوم.
فليت شعري هل للاستعباد مصداق ليس به وإن منع من إطلاق لفظه؟ وهل له معنى إلا سلب إطلاق الحرية ، وتملك الإرادة والعمل ، وإنفاذ القوي المتعزز حكمه في الضعيف المستذل كيف شاء وأراد عدلا أو ظلما؟.
فيا لله العجب يسمي حكم الإسلام بنظير الحكم على أصلح وجه يمكن استعبادا ولا يسمى حكمهم بذلك ، والإسلام يأخذ فيه بأسهل الوجوه وأخفها وهم يأخذون بأشقها وأعنفها ، فقد رأينا محبتهم وصداقتهم حينما احتلوا بلادنا تحت عنوان المحبة والحماية والوقاية ، فكيف حال من استعلوا عليه بالعداوة والنكاية؟.
ومن هنا يظهر أن قرار الإلغاء لم يكن إلا لعبا سياسيا هو في الحقيقة أخذ في صورة الرد ، أما الاستعباد عن حرب وقتال فقد أنفذه الإسلام وأنفذوه عملا وإن منعوا عن التلفظ باسمه لسانا ، وأما الاستعباد من طريق بيع الآباء أبناءهم الذي منعوه فقد كان الإسلام منعه من قبل ، وأما الاستعباد من طريق الغلبة والسلطة الحكمية فقد منعه الإسلام من قبل ، وأما هؤلاء فقد أجمعوا على منعه لكن هل توقف المنع في مرحلة اللفظ كنظيره أو تعداها إلى مرحلة المعنى ووافقه العمل؟!.
يمكنك أن تستخرج الجواب لهذا السؤال بإمرار النظر في تاريخ الاستعمارات الأروبية في آسيا وإفريقيا وأميركا ، والفجائع التي ارتكبوها ، والدماء والأعراض والأموال التي أهرقوها واستباحوها ونهبوها ، والتحكمات التي أتوا بها وليس بالواحد