الأفراد بمقدار ما يستحقه كل واحد بعمله وسعيه.
وهذه التكاليف لما كانت متعلقة بأمور اختيارية يسع الإنسان أخذها وتركها ، وهي بعينها لا تتم إلا مع سلب ما لحرية الإنسان في إرادته وعمله لم يمتنع أن يتخلف عنها أو عن بعضها الإنسان المتمائل بطبعه إلى الاسترسال وإطلاق الحرية.
والتنبه إلى هذا النقص في التكاليف والفتور في بني القوانين هو الذي بعث الإنسان الاجتماعي على أن يتمم نقصها ويحكم فتورها بأمر آخر ، وهو أن يضم إلى مخالفتها والتخلف عنها أمورا يكرهها الإنسان المكلف فيدعوه ذلك إلى طاعة التكليف الذي يكلف به حذرا من أن يحل به ما يكرهه ويتضرر به.
وهذا هو جزاء السيئة ، وهو حق للمجتمع أو لولي الأمر على المتخلف العاصي ، وله نظير في جانب طاعة التكاليف فمن الممكن أن يوضع للمطيع الممتثل بإزاء عمله بالتكليف أمر يؤثره ويحبه ليكون ذلك داعيا يدعوه إلى إتيان الواجب أو المطلوب مطلقا من التكاليف ، وهو حق للمكلف المطيع على المجتمع أو لولي الأمر ، وهذا هو جزاء الحسنة ، وربما يسمى جزاء السيئة عقابا وجزاء الحسنة ثوابا.
وعلى هذه الوتيرة يجري حكم الشريعة الإلهية ؛ قال تعالى : « لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى » : يونس : ٢٦ وقال تعالى : « وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها » : يونس : ٢٧ وقال : « وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها » : الشورى : ٤٠.
وللعقاب والثواب عرض عريض آخذا من الاستكراه والاستحسان والذم والمدح إلى آخر ما يتعلق به القدرة من الشر والخير ويرتبطان في ذلك بعوامل مختلفة من خصوصيات الفعل والفاعل وولي التكليف ومقدار الضرر والنفع العائدين إلى المجتمع ، ولعله يجمع الجميع أن العمل كلما زاد الاهتمام بأمره زاد عقابا في صورة المعصية وثوابا في صورة الطاعة.
ويعتبر بين العمل وبين جزائه ـ كيف كان ـ نوع من المماثلة والمسانخة ولو تقريبا ، وعلى ذلك يجري كلامه تعالى أيضا كما هو ظاهر أمثال قوله تعالى : « لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » : النجم : ٣١ وأوضح منه قوله تعالى وقد حكاه عن صحف إبراهيم وموسى عليهالسلام : « (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا