وتطمع من ذلك في ماله مع أنهم على ما لهم من الجهل لا يرضون بهذه الفضائح فيمن يتقلد أمرا من أمور دنياهم أو يتصدى يوما للقيام بمصلحة بيتهم وأهلهم فكيف يرضون بنسبة هذه الفضائح إلى الله سبحانه وهو العليم الحكيم الذي أرسل رسله إلى عباده لئلا يكون لهم حجة بعدهم؟ وليت شعري أي حجة تقوم على كافر أو فاسق إذا جاز للرسول أن يكفر أو يفجر أو يدعو إلى الشرك والوثنية ثم يتبرأ منه وينسبه إلى الشيطان؟.
وإذا ذكروا ببعض ما لأنبياء الله عليهالسلام من العصمة الإلهية والمقامات الموهوبة والمواقف الروحية عدوا ذلك شركا بالله ، وغلوا في حق عباد الله ، وأخذوا في تلاوة قوله : « قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ».
وقد أصابوا في ردهم بوجه فإن ما يتصورونه من الرب عز اسمه وينعتونه بها من النعوت في ذاته وفعله دون ما يذكرون به من مقامات الأنبياء عليهمالسلام وأخفض منها منزلة وقدرا ، وهذا كله من المصائب التي لقيتها الإسلام وأهله مما دسته أهل الكتاب وخاصة اليهود في الروايات وعملته أيديهم ، وحركوا بها الرحى على غير محوره ، واعتقدوا في الله سبحانه الذي ليس كمثله شيء أنه مثل الإنسان المتجبر الذي يرى لنفسه أنه حر غير مسئول فيما يفعل وهم المسئولون ، وأن ترتب المسببات على أسبابها واستيلاد المقدمات نتائجها ، واقتضاء الخصائص الوجودية صورية أو معنوية لآثارها كل ذلك جزافي لا لرابطة حقيقية.
وأن الله تعالى ختم بمحمد النبوة وأنزل عليه القرآن ، وخص موسى بالتكليم ، وعيسى بالتأييد بالروح لا لخصوصية في نفوسهم الشريفة بل لأنه أراد أن يخصهم بكذا وبكذا ، وأن ضرب موسى بعصاه الحجر فانفجرت كضرب أحدنا بعصاه الحجر غير أن الله يفجر ذاك ولا يفجر هذا ، وأن قول عيسى للموتى : قوموا بإذن الله مثل أن ينادي أحدنا بين المقابر : قوموا بإذن الله إلا أن الله يحيي أولئك ولا يحيي هؤلاء وهكذا.
وليس ذلك كله إلا قياسا لنظام التكوين إلى نظام التشريع الذي لا قوام له إلا الوضع والاصطلاح والتعاهد الذي لا يتجاوز ظرف الاجتماع سعة ، ولا يعدو دنيا الإنسان المجتمع.