وقولهم : « شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ » : « الطور : ٣٠ » : وقولهم : « ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ » : « الذاريات : ٥٢ » وقولهم : « إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً » : « الإسراء : ٤٧ » وقولهم : « إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ » : « المدثر : ٢٤ » وقولهم : « أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » : « الفرقان : ٥ » وقولهم : « إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ » : « النحل : ١٠٣ » وقولهم : « أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ » : « ص : ٦ » إلى غير ذلك من أقاويلهم فيه صلىاللهعليهوآله.
فهذه كلها ليست مما يوجب وهن قاعدة الدين ، وإنما تدل ـ إذا دلت ـ على اضطراب القوم في أمرهم ، وعدم استقامتهم فيه على أن هذه الافتراءات والمرامي لا تختص بالنبي صلىاللهعليهوآله حتى يضطرب عند تفرسها ويخاف وقوعها فسائر الأنبياء والرسل يشاركونه في الابتلاء بهذه البلايا والمحن ، ومواجهة هذه المكاره من جملة أممهم كما حكاه الله تعالى عن نوح ومن بعده من الأنبياء المذكورين في القرآن.
بل إن كان شيء ـ ولا بد ـ فإنما يتصور بعد الهجرة واستقرار أمر الدين في المجتمع الإسلامي والمسلمون كالمعجون الخليط من صلحاء مؤمنين وقوم منافقين أولي قوة لا يستهان بأمرهم ، وآخرين في قلوبهم مرض وهم سماعون ـ كما نص عليه الكتاب العزيز ـ وهؤلاء كانوا يعاملون مع النبي صلىاللهعليهوآله ـ في عين أنهم آمنوا به واقعا أو ظاهرا ـ معاملة الملوك ، ومع دين الله معاملة القوانين الوضعية القومية كما يشعر بذلك طوائف من آيات الكتاب قد تقدم تفسير بعضها في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب (١).
فكان من الممكن أن يكون تبليغ بعض الأحكام مما يوقع في الوهم انتفاع النبي صلىاللهعليهوآله بتشريعه وإجرائه يستوجب أن يقع في قلوبهم أنه ملك في صورة النبوة وقانون ملكي في هيئة الدين كما ربما وجد بعض شواهد ذلك في مطاوي كلمات بعضهم (٢).
وهذه شبهة لو كانت وقعت هي أو ما يماثلها في قلوبهم ألقت إلى الدين من الفساد والضيعة ما لا يدفعه أي قوة دافعة ، ولا يصلحه أي تدبير مصلح فليس هذا الحكم النازل المأمور بتبليغه إلا حكما فيه توهم انتفاع للنبي صلىاللهعليهوآله ، واختصاص له بمزية من
__________________
(١) كآيات قصة أحد في صورة آل عمران ، والآيات ال ١٠٥ ـ ١٢٦ من سورة النساء.
(٢) كما يذكر عن أبي سفيان في كلمات قالها في مجلس عثمان حينما تم له أمر الخلافة.