تعالى لا يقهره شيء في شيء البتة من ذاته ولا صفته ولا فعله وهو القاهر فوق كل شيء فليس بمحدود في شيء يرجع إليه ، فهو موجود لا يشوبه عدم ، وحق لا يعرضه بطلان ، وهو الحي لا يخالطه موت ، والعليم لا يدب إليه جهل ، والقادر لا يغلبه عجز ، والمالك والملك من غير أن يملك منه شيء والعزيز الذي لا ذل له ، وهكذا.
فله تعالى من كل كمال محضه ، وإن شئت زيادة تفهم وتفقه لهذه الحقيقة القرآنية فافرض أمرا متناهيا وآخر غير متناه تجد غير المتناهي محيطا بالمتناهي بحيث لا يدفعه المتناهي عن كماله المفروض أي دفع ، فرضته بل غير المتناهي مسيطر عليه بحيث لا يفقده المتناهي في شيء من أركان كماله ، وغير المتناهي هو القائم على نفسه ، الشهيد عليه ، المحيط به ، ثم انظر في ذلك إلى ما يفيده قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ » : حم السجدة : ٥٤.
وهذا هو الذي يدل عليه عامة الآيات الواصفة لصفاته تعالى الواقعة في سياق الحصر أو الظاهر فيه كقوله تعالى : « اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » : طه : ٨ ، وقوله : « وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » : النور : ٢٥ ، وقوله : « هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ » : المؤمن : ٦٥ ، وقوله : « وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ » : الروم : ٥٤ ، وقوله : « أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً » : البقرة : ١٦٥ ، وقوله : « لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ » : التغابن : ١ ، وقوله : « إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً » : يونس : ٦٥ ، وقوله : « الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ » : البقرة : ١٤٧ ، وقوله : « أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ » : فاطر : ١٥ ، إلى غير ذلك من الآيات.
فالآيات ـ كما ترى ـ تنادي بأعلى صوتها أن كل كمال مفروض فهو لله سبحانه بالأصالة ، وليس لغيره شيء إلا بتمليكه تعالى له ذلك من غير أن ينعزل عما يملكه ويملكه كما ننعزل نحن معاشر الخليقة عما ملكناه غيرنا.
فكلما فرضنا شيئا من الأشياء ذا شيء من الكمال في قباله تعالى ليكون ثانيا له وشريكا عاد ما بيده من معنى الكمال لله سبحانه محضا ، وهو الحق الذي يملك كل شيء ، وغيره الباطل الذي لا يملك لنفسه شيئا قال تعالى : « لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً » : الفرقان : ٣.
وهذا المعنى هو الذي ينفي عنه تعالى الوحدة العددية إذ لو كان واحدا عدديا