: المؤمن : ٦٥ وغير ذلك من الآيات الداعية إلى رفض الآلهة الكثيرة ، وتوجيه الوجه لله الواحد ، وقوله تعالى : « وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ » : العنكبوت : ٤٦ وغيره من الآيات الداعية إلى رفض التفرق في العبادة للإله ، حيث كانت كل أمة أو طائفة أو قبيلة تتخذ إلها تختص به ، ولا تخضع لإله الآخرين.
والقرآن ينفي في عالي تعليمه الوحدة العددية عن الإله جل ذكره ، فإن هذه الوحدة لا تتم إلا بتميز هذا الواحد من ذلك الواحد بالمحدودية التي تقهره ، والمقدرية التي تغلبه ، مثال ذلك ماء الحوض إذا فرقناه في آنية كثيرة كان ماء كل إناء ماء واحدا غير الماء الواحد الذي في الإناء الآخر ، وإنما صار ماء واحدا يتميز عما في الآخر لكون ما في الآخر مسلوبا عنه غير مجتمع معه ، وكذلك هذا الإنسان إنما صار إنسانا واحدا لأنه مسلوب عنه ما للإنسان الآخر ، ولو لا ذلك لم يأت للإنسانية الصادقة على هذا وذاك أن تكون واحدة بالعدد ولا كثيرة بالعدد.
فمحمودية الوجود هي التي تقهر الواحد العددي على أن يكون واحدا ثم بانسلاب هذه الوحدة من بعض الجهات تتألف كثرة عددية كما عنده عروض صفة الاجتماع بوجه.
وإذ كان الله سبحانه قاهرا غير مقهور ، وغالبا لا يغلبه شيء البتة كما يعطيه التعليم القرآني لم تتصور في حقه وحدة عددية ولا كثرة عددية ، قال تعالى : « وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » : الرعد : ١٦ ، وقال : « أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ » : يوسف : ٤٠ ، وقال : « وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » : ص : ٦٥ ، وقال : « لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » : الزمر : ٤.
والآيات بسياقها ـ كما ترى ـ تنفي كل وحدة مضافة إلى كثرة مقابلة لها سواء كانت وحدة عددية كالفرد الواحد من النوع الذي لو فرض بإزائه فرد آخر كانا اثنين فإن هذا الفرد مقهور بالحد الذي يحده به الفرد الآخر المسلوب عنه المفروض قباله ، أو كانت وحدة نوعية أو جنسية أو أي وحدة كلية مضافة إلى كثرة من سنخها كالإنسان الذي هو نوع واحد مضاف إلى الأنواع الكثيرة الحاصلة منه ومن الفرس والبقر والغنم وغيرها فإنه مقهور بالحد الذي يحده به ما يناظره من الأنواع الآخر ، وإذ كان