معنى الذات وهو الموصوف.
فهذه المفاهيم والعلوم والإدراكات تقصر عن الانطباق عليه جل شأنه حق الانطباق ، وعن حكاية ما هو عليه حق الحكاية ؛ فتمس حاجة المخلص في وصفه ربه إلى أن يعترف بنقص لا علاج له ، وعجز لا جابر دونه ؛ فيعود فينفي ما أثبته ، ويتيه في حيرة لا مخلص منها ، وهو قوله عليهالسلام : « وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ـ لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنها غير الصفة ».
وهذا الذي فسرنا به هذا العقد من كلامه عليهالسلام هو الذي يؤيده أول الخطبة حيث يقول : « الذي لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود » على ما يظهر للمتأمل الفطن.
وأما قوله عليهالسلام : « فمن وصف الله فقد قرنه » (إلخ) ، فهو توصل منه إلى المطلوب ـ وهو أن الله سبحانه لا حد له ولا عد ـ من طريق تحليل إثبات الوصف كما كان البيان الأول توصلا منه من طريق تحليل المعرفة إلى نفي الوصف.
فمن وصف الله فقد قرنه لما عرفت من المغايرة بين الموصوف والصفة ، والجمع بين المتغارين قرن ، ومن قرنه فقد ثناه لأخذه إياه موصوفا وصفة وهما اثنان ، ومن ثناه فقد جزأه إلى جزءين ، ومن جزأه فقد جهله بالإشارة إليه إشارة عقلية ، ومن أشار إليه فقد حده لكون الإشارة مستلزمة لانفصال المشار إليه عن المشير حتى تتوسط بينهما الإشارة التي هي إيجاد بعد ما بين المشير والمشار إليه ـ يبتدئ من الأول وينتهي إلى الثاني ـ « ومن حده فقد عده » وجعله واحدا عدديا لأن العدد لازم الانقسام والانعزال الوجودي تعالى الله عن ذلك.
وفي النهج : من خطبة له عليهالسلام : « الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا ـ فيكون أولا قبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ـ ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام ، وكل ظاهر غيره باطن ، وكل باطن غيره ظاهر ».