بأغذية صالحة في هواء سالم ومحيط سالم أشد استعدادا للسلوك في المسلك الانساني ، وأوقد ذهنا وألطف إدراكا ، وأقوى للعمل فالأمزجة السالمة بالوراثة ثم بامداد النطفة بأسبابها وشرائطها كالمناطق المعتدلة أقرب إلى قبول الكمالات الانسانية ، والمناطق الرديئة ماء وهواء والصعبة الخشنة في أسبابها الحيوية كالمناطق الاستوائية والقطبية أقرب إلى الخشونة والقسوة والبلادة من غيرها.
ثم الامزجة السالمة من موانع لطف الادراك تنشأ ذوات أرواح لطيفة لها عقول جيدة وعواطف رقيقة تميل بالانسان إلى ما فيه صلاح إنسانيته من العقائد والإرادات والأعمال ، وتقربه من المواد الحافظة للبقاء إلى ما يزيد في تأييد الروح في عمله ولا يزال يتعاكس التأثير حتى يتم الأثر ، ونظير الكلام جار في جانب الشقاء قال تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين العنكبوت : ٦٩ ، وقال : ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الروم : ١٠ والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومع ما نعلم من تأثير المواد الأرضية في نحو حياة الانسان السعيدة والشقية لسنا نحصي من الأسباب الدخيلة في هذا الباب إلا بعض الأسباب العامة البينة التي ليس لها قدر تجاه ما نجهله منها كما سمعت من حديث سلامة مزاج الأبوين والغذاء الممد للبقاء والمنطقة من الأرض التي يعيش فيها الانسان وغيرها ، فهناك أسباب لا تحصى كثرة خفية عنا ، ومن شواهد ذلك نوادر الافراد الذين ينشأون في غير ما نحسبه منشأ لهم والله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.
وبالجملة سعادة الانسان في حياته أعني سعادته في علمه وعمله لها ارتباط تام بطيب مواده الأصلية فهي التي تقبل ما يناسبها من الروح ، وهي التي تهتدي إلى الجنة ، وكذلك شقاء الانسان في علمه بترك العقل والعكوف على الأوهام والخرافات التي تزينها له عواطف الشهوة والغضب ، وفي عمله بالتمتع من لذائذ المادة ، والاكتناه والاسترسال في الشهوات الحيوانية والاستكبار عن كل حق لا يوافق هواه.
فهذان القبيلان من الأسباب المادية يسوقان الانسان إلى الحق والباطل والسعادة والشقاء والجنة والنار غير أنهما مقتضيان من غير علية تامة ، ولله سبحانه المشية فيهما