ربك قديرا الفرقان : ٥٤ ، وسيجئ بيان الآيات في محلها.
وأما الروايات فإنها ـ كما ترى ـ في معناها تعود قسمين :
أحدهما : ما يذكر أن الماءين العذب الفرات والملح الأجاج أجريا على الطين الذي خلق منه الانسان فاختلف الطين باختلاف الماء ، وهذا القسم يرجع إلى الصنف المتقدم من الأخبار الدالة على أن اختلاف الخلقة يعود إلى اختلاف الطينة المأخوذة لها فالكلام فيه كالكلام في أخبار الطينة وقد قدمناه.
وثانيهما : ما دل على أن الخلقة أعم من خلقة الانسان وغيره ، حتى الجنة والنار تنتهى إلى الماء ثم اختلاف الماء منشأ لاختلاف الناس في السعادة والشقاوة أما اختلاف الخلقة باختلاف العذوبة والملوحة فيعود أيضا إلى القسم الأول ويجري فيه الكلام السابق فإن القسم الأول من هذه الأخبار يعود كالمفسر لهذا القسم الثاني ثم هما معا كالمفسر لاخبار الطينة السابقة.
وأما انتهاء الخلقة إلى أصل أولي هو الماء فسيجئ البحث فيه فيما يناسبه من المحل إن شاء الله العزيز.
ومنها : ما دل على أن الاختلاف يعود إلى اختلاف الخلقة من النور والظلمة كما في العلل عن الصادق عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلقنا من نور مبتدع من نور سنخ ذلك النور في طينة من أعلى عليين ، وخلق قلوب شيعتنا مما خلق منه أبداننا ، وخلق أبدانهم من طينة دون ذلك فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه ، ثم قرأ كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون. وإن الله تبارك وتعالى خلق قلوب أعدائنا من طينة من سجين ، وخلق أبدانهم من دون ذلك ، وخلق قلوب شيعتهم مما خلق منه أبدانهم فقلوبهم تهوي إليهم ، ثم قرأ إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين.
أقول : وفي معناه روايات أخر ، وهو في الحقيقة راجع إلى ما تقدم من الروايات الدالة على انتهاء الخلقة إلى طينة عليين وطينة سجين ، وإنما يصير بعد خلقه من هذه الطينة نورا وظلمة ، ولعل ذلك لكون طينة السعادة مما يظهر به الحق وتنجلي به المعرفة