وبتقرير آخر الفعل الإلهي إنما يظهر بالأسباب الكونية فهي بمنزلة الآلات والأدوات لا يظهر له فعل إلا بتوسطها ، والسائل إنما يسأل عن فعل من أفعاله لجهله بالأسباب مثلا إذا مات زيد بسقوط حائط عليه بغتة سأل سائل : لم أهلك الله زيدا ولم يرحم شبابه ولا أبويه المسكينين؟ فإذا أجيب بانهدام الحائط عليه نقل السؤال إلى أنه لم هدم عليه الحائط؟ فإذا أجيب بأن السماء أمطرت فاسترخت أصله ومال به الثقل فسقط وكان تحته زيد فمات به،نقل السؤال إلى أمطار السماء وهلم جرا،ولا يقع السؤال إلاعلى أثر مجهول العلة ، وأما الأثر المعلوم العلة فلا يقع عنه سؤال وليس إلا أن السائل بجهله يقدر لزيد حياة مستندة إلى علل ليس بينها هذه التي فاجأته بسلسلتها فتوهم أن الله سبحانه فعل به ما فعل جزافا من غير سبب ولذلك بادر إلى السؤال ولو أحاط بعلل الحوادث لم يسأل قط ، وقد تقدم بعض الكلام في قوله تعالى : لا يسأل عما يفعل الخ ، في البحث عن اعتراضات إبليس في محاورته الملائكة.
وقوله عليه السلام : حكم الله وحكم أنبيائه الخ ، أي قضاؤه تعالى وقضاء أنبيائه بإذنه فإنه تعالى إنما يقضي ويحكم الحكم الحق الذي بحسب حقيقة الامر وباطنه لا بحسب الظاهر كما نحكم عليه بالاعتماد على الشواهد والامارات.
فقد تبين معنى لحوق الحسنات وآثارها للذوات الطيبة وسنخ النور ، ولحوق السيئات وآثارها للسنخ الظلمة والفساد والذوات الخبيثة ، ويتبين بما تبين من معنى قوله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، الجواب عن شئ آخر ربما يختلج بالبال في بادئ النظر وهو أنه لم اختصت الذوات الطيبة وسنخ النور بالحسنات وآثارها ، والذوات الخبيثة وسنخ الظلمة بخلافها؟ ولم استعقبت الحسنات النعمة الدائمة والجنة الخالدة ، واستعقبت السيئات النقمة والنار.
والجواب : أنها آثار واقعية عن روابط خارجية كما تقدم بيانه في البحث عن نتائج الأعمال لا أحكام وضعية اعتبارية وإن بينت في لسان الشرع بنظائر ما تبين به تبعات أحكامنا الوضعية الاعتبارية الواقعة في ظرف الاجتماع الانساني تتميما لنظام التشريع.
إذا عرفت ذلك علمت أن هذه الاختصاصات ترجع إلى روابط تكوينية بين ذوات