فالحياة البرزخية كأنها من بقايا الحياة الدنيوية محكومة ببعض أحكامها ، والناس فيها بعد في طريق التصفية والتخلص إلى سعادتهم وشقاوتهم ، والحكم الفصل الذي يحتاج إلى السنخ الخالص والذات الممحوضة بعد هذه الحياة.
ومن هنا يظهر أيضا سر ما يظهر في القرآن والحديث أن الله سبحانه يجازي الكفار جزاء حسناتهم التي أتوا بها في الدنيا. وأما في الآخرة فأعمالهم فيها حبط ، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ، وليس لهم فيها إلا النار فافهم ذلك.
وقوله عليه السلام : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون تعليل منه لما بينه من الحكم الملكوتي بالآية ، وذلك أن السؤال عن شئ سواء كان فعلا فعله فاعل أو قضي به قاض أو خبرا أخبر به مخبر إنما هو طلب من الفاعل أو القاضي أو المخبر أن يبين مطابقه ما أتى به الواقع ويطبقه على الحق فإن ما نأتي به من الامر إنما هو محاذاة منا للواقع الحق ولا ينقطع السؤال إلا إذا بين لنا وجه الحق فيه وكونه مطابقا للواقع أما إذا كان الفعل الذي أتى به أو الحكم الذي حكم به أو الخبر الذي أخبر به مثلا نفس الواقع بلا واسطة فلا معنى للسؤال البتة.
فإذا سألك سائل مثلا : لم ضربت اليتيم؟ أو لم قضيت أن المال لزيد؟ أو من أين أخبرت أن زيدا قائم؟ لم ينقطع السؤال دون أن تقول مثلا : ضربته للتأديب ، وأن تقول أن زيدا ورثه عن أبيه مثلا وأن تريه زيدا وهو قائم مثلا ، وهذا هو الحق الواقع المسؤول عنه ، وأما كون الأربعة زوجا ، أو كون العشرة أكبر من الخمسة أو بطلان حياة زيد لو جز رأسه من بدنه مثلا فهذه الأمور نفس الواقع الحق ولا معنى لان يسأل عن الأربعة لم صرت زوجا؟ أو عن العشرة لم صارت أكبر من الخمسة؟ أو عن فعل من الافعال أو أثر من الآثار وعنده فاعله وغايته لم كان كما كان؟ أو لم فعل سببه التام ما فعل؟ فإن ذلك هذر.
والله سبحانه فعله نفس الواقع الحق ، وقوله نفس العين الخارجية ولا ينتهي إلى غيره فلا معنى للسؤال عنه بلم وكيف. وجميع القضايا الحقة التي نطبق عليها عقائدنا أو أفعالنا لتكون حقة إنما هي مأخوذة من الخارج الذي هو فعله فلا تحكم في شئ من فعله ، وإنما تلازم بوجه فعله ملازمة التابع للمتبوع والمنتزع للمنتزع منه فافهم ،