مثقال ذرة شرا يره الزلزال : ٨ ، وقوله : ألا تزر وازرة وزر أخرى النجم : ٣٨ وقوله : لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت البقرة : ٢٨٦ ، إلى غير ذلك من الآيات الحاكمة بإن تبعة كل فعل إنما هو لفاعله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وذلك أن الذي تحكم به الآيات في محله ولا يتخطاه لكن لما كان فاعل الفعل بحسب النظر الاجتماعي الدنيوي هو الذي تقوم به الحركة والسكون المسمى فعلا فإليه تعود تبعة الفعل من مدح أو ذم أو ثواب أو عقاب دنيويين ، وأما بحسب النظر الحقيقي ففاعل الفعل الأصل الذي يسانخه الفعل ويناسبه وهو غير من قامت به الحركات والسكنات المسماة فعلا ورجوع هذا الفعل وما له من الآثار الحسنة أو السيئة إلى هذا الأصل ليس من رجوع تبعة الفعل إلى غير فاعله حتى تناقضه الآيات الكريمة فهذا الحكم الباطني الذي يسميه عليه السلام حكما ملكوتيا في طول الحكم الظاهري الذي نألفه في حياتنا الاجتماعية.
وإذا كان يوم القيامة هو اليوم الذي تبلى فيه السرائر وتظهر فيه الحقائق ولا يحتجب الحق فيه بشئ كما مرت الإشارة إليه كرارا ـ كان هو مجلي هذا الحكم الملكوتي الذي يلحق كل حكم بحقيقة موضوعه فيرجع به كل شئ إلى أصله قال تعالى : وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون الزمر : ٤٧ ، وقال : لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ق : ٢٢ ، وقال : ألحقنا بهم ذريتهم ما ألتناهم من عملهم من شئ الطور : ٢١ ، وقال : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم العنكبوت : ١٣.
ومن هنا يظهر وجه اختصاص هذا الحكم الملكوتي بيوم القيامة مع أن البرزخ وهو ما بين الموت والبعث أيضا من ظروف المجازاة ومن أيام الله ، وذلك لان الظاهر من كلامه تعالى أن البرزخ من تتمة المكث الأرضي محسوب من الدنيا كما يدل عليه قوله تعالى : قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا المؤمنون : ١١٤ ، وقوله : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث الروم : ٥٦.