الدنيا بلسان أنبيائه ، وأما الكفار فقد كانوا ينكرون أصل البعث والعذاب ، وهو مما يشتركون فيه هم والمؤمنون فلذا قيل : فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ولم يقل ما وعدكم ربكم لان الوعد بأصل البعث والعذاب لم يكن مختصا بهم.
وبذلك يظهر الجواب عما قيل : إن الوفاء بالوعد واجب دون الوفاء بالوعيد على ما ذكره المتكلمون فما معنى أخذ الاعتراف بحقية ما ذكره الله من عقاب الكفار والمجرمين وأنذرهم به في الدنيا ، وليس تحققه بلازم.
وذلك أن الملاك فيما ذكروه من الفرق أن الثواب حق العامل على ولي الثواب الذي بيده الامر ، والعقاب حق الولي المثيب على العامل ، ومن الجائز أن يصرف الشخص نظره عن إعمال حق نفسه لكن لا يجوز إبطال حق الغير فإنجاز الوعد واجب دون إنجاز الوعيد ، وهذا إنما يتم في موارد الوعيد الخاصة ومصاديقه في الجملة ، وأما عدم إنجاز أصل العقاب على الذنب وإبطال أساس المجازاة على التخلف فليس كذلك إذ في إبطاله إبطال التشريع من أصله وإخلال النظام العام.
وربما وجه الفرق في قوليه : « وعدنا ربنا » « وعد ربكم » بأن المراد بقوله : « وعدنا » ما وعد الله المتقين من خصوصيات ما يعاملهم به يوم القيامة وبقوله : « وعد ربكم » عموم ما وعد به المؤمنين والكفار من الثواب والعقاب يوم القيامة كالذي في قوله : « يا بني آدم إما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي » إلى آخر الآيتين. ومن المعلوم أن هذا الوعد لا يختص بالكفار حتى يقال : وعدكم ربكم بل التعبير الحق وعد ربكم.
وفيه : إن أصل الفرق لا بأس به لكنه لا يقطع السؤال فللسائل أن يعود فيقول ما هو السبب الفارق في أن أصحاب الجنة لما أوردوا اعتراف نفسهم اقتصروا بذكر ما يخصهم من أمور يوم القيامة ، وأما إذا سألوا أصحاب النار سألوهم عن جميع ما وعد الله به المؤمنين والكفار؟ وبعبارة أخرى هناك ما يشترك فيه الطائفتان وما يختص به كل منهما فما بالهم إذا اعترفوا هم أنفسهم اعترفوا بما يختص بأنفسهم ويسألون أصحاب النار الاعتراف بما يشترك فيه الجميع.
وربما وجه الفرق بأن المراد بقوله « ما وعد ربكم » الذي وعده أصحاب الجنة من أنواع الثواب الجزيل فإن أصحاب النار يشاهدون ذلك كما يجدون ما بهم من أليم