« وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » : الأنبياء : ٤٧ ، فإن ظاهر قوله : « فَلا تُظْلَمُ » ، إلخ إن الله لا يظلمهم فالقسط قسطه وعدله فليس القسط هو الميزان يومئذ بل وضع الموازين هو وضع العدل يومئذ ، فافهم ذلك.
وهذا هو الذي بعثهم على أن فسروا ثقل الموازين برجحانها بنوع من التجوز فالمراد بثقل الموازين رجحان الأعمال بكونها حسنات وخفتها مرجوحيتها بكونها سيئات ومعنى الآية : والوزن يومئذ العدل أي الترجيح بالعدل فمن رجحت أعماله لغلبة الحسنات فأولئك هم المفلحون ، ومن لم يترجح أعماله لغلبة سيئاته فأولئك الذين خسروا أنفسهم أي ذهبت رأس مالهم الذي هو أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون لتكذيبهم بها.
ويعود الكلام حينئذ إلى الملاك الذي به تترجح الحسنة على السيئة وسيما إذا اختلطت الأعمال واجتمعت حسنات وسيئات ، والحسنات والسيئات مختلفة كبرا وصغرا فيما هو الملاك الذي يعلم به غلبة أحد القبيلين على الآخر؟ فإخباره تعالى بأن أمر الوزن جار على العدل يدل على جريانه بحيث تتم به الحجة يومئذ على العباد فلا محالة هناك أمر تشتمل عليه الحسنة دون السيئة ، وبه الترجيح ، وبه يعلم غلبة الثقيل على الخفيف والحسنة على السيئة إذا اجتمعت من كل منهما عدد مع الأخرى وإلا لزم القول بالجزاف البتة.
وهذا كله مما يؤيد ما قدمناه من الاحتمال ، وهو أن يكون توزين الأعمال بالحق ، وهو التوزين العادل فمن ثقلت موازينه باشتمال أعماله على الحق فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه لعدم اشتمال أعماله على الحق الواجب في العبودية فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون بتكذيبهم بها وعدم تزودهم بما يعيشون به هذا اليوم فقد أهلكوا أنفسهم بما أحلوها دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار.
فقد تبين بما قدمناه أولا : أن الوزن يوم القيامة هو تطبيق الأعمال على ما هو الحق فيها ، وبقدر اشتمالها عليه تستعقب الثواب وإن لم تشتمل فهو الهلاك ، وهذا التوزين هو العدل ، والكلام في الآيات جار على ظاهره من غير تأويل.
وقيل : إن المراد بالوزن هو العدل ، وثقل الميزان هو رجحان العمل فالكلام موضوع على نحو من الاستعارة ، وقد تقدم.