وقيل : إن الله ينصب يوم القيامة ميزانا له لسان وكفتان فتوزن به أعمال العباد من الحسنات والسيئات ، وقد اختلف هؤلاء في كيفية توزين الأعمال ، وهي أعمال انعدمت بصدورها ، ولا يجوز إعادة المعدوم من الأعراض عندهم ، على أنها لا وزن لها ، فقيل : إنما توزن صحائف الأعمال لا أنفسها ، وقيل : تظهر للأعمال من حسناتها وسيئاتها آثار وعلائم خاصة بها فتوزن العلامات بمشهد من الناس ، وقيل : تظهر الحسنات في صور حسنة والسيئات في صور قبيحة منكرة فتوزن الصور ، وقيل توزن نفس المؤمن والكافر دون أعمالهما من حسنة أو سيئة ، وقيل : الوزن ظهور قدر الإنسان ، وثقل الميزان كرامته وعظم قدره ، وخفة الميزان هوانه وذلته.
وهذه الأقوال على تشتتها لا تعتمد على حجة من ألفاظ الآيات ، وهي جميعا لا تخلو عن بناء الوزن الموصوف على الجزاف لأن الحجة لا تتم بذلك على العبد ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
وثانيا : أن هناك بالنسبة إلى كل إنسان موازين توزن بها أعماله والميزان في كل باب من العمل هو الحق الذي يشتمل عليه ذلك العمل ـ كما تقدم ـ فإن يوم القيامة هو اليوم الذي لا سلطان فيه إلا للحق ولا ولاية فيه إلا لله الحق ، قال تعالى : « ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ » : النبأ : ٣٩ ، وقال تعالى : « هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ » : الكهف : ٤٤ ، وقال : « هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ » : يونس : ٣٠.
بحث روائي
في الدر المنثور ، أخرج ابن الضريس والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال : سورة الأعراف نزلت بمكة.
أقول : ورواه أيضا عن ابن مردويه عن ابن الزبير.
وفيه ، أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال : آية من الأعراف مدنية ، وهي « وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ » إلى آخر الآية ، وسائرها مكية.
أقول : وهو منه اجتهاد وسيأتي ما يتعلق به من الكلام.