قوله تعالى : « وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ » الآية عود على بدء الكلام أعني قوله في أول الآيات : « فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ » أي من أعظم من هؤلاء ظلما ولقد أتممنا عليهم الحجة وأقمنا لهم البيان فجئناهم بكتاب فصلناه وأنزلناه إليهم على علم منا بنزوله؟.
فقوله : « عَلى عِلْمٍ » متعلق بقوله « لَقَدْ جِئْناهُمْ » والكلمة تتضمن احتجاجا على حقية الكتاب والتقدير : ولقد جئناهم بكتاب حق : وكيف لا يكون حقا؟ وقد نزل على علم منا بما يشتمل عليه من المطالب.
وقوله : « هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » أي هدى وإراءة طريق للجميع ورحمة للمؤمنين به خاصة ، أو هدى وإيصالا بالمطلوب للمؤمنين ورحمة لهم ، والأول أنسب بالمقام وهو مقام الاحتجاج.
قوله تعالى : « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ » إلى آخر الآية. الضمير في تأويله راجع إلى الكتاب ، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ » الآية : آل عمران : ٧ إن التأويل في عرف القرآن هو الحقيقة التي يعتمد عليها حكم أو خبر أو أي أمر ظاهر آخر اعتماد الظاهر على الباطن والمثل على المثل.
فقوله : « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ » معناه هل ينتظر هؤلاء الذين يفترون على الله كذبا أو يكذبون بآياته وقد تمت عليهم الحجة بالقرآن النازل عليهم ، إلا حقيقة الأمر التي كانت هي الباعثة على سوق بياناته وتشريع أحكامه والإنذار والتبشير الذين فيه؟ فلو لم ينتظروه لم يتركوا الأخذ بما فيه.
ثم يخبر تعالى عن حالهم في يوم إتيان التأويل بقوله : يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه إلخ ، أي إذا انكشفت حقيقة الأمر يوم القيامة يعترف التاركون له بحقية ما جاءت به الرسل من الشرائع التي أوجبوا العمل بها ، وأخبروا أن الله سيبعثهم ويجازيهم عليها.
وإذ شاهدوا عند ذلك أنهم صفر الأيدي من الخير ، هالكون بفساد أعمالهم سألوا أحد أمرين يصلح به ما فسد من أمرهم إما شفعاء ينجونهم من الهلاك الذي أطل عليهم أو أنفسهم ، بأن يردوا إلى الدنيا فيعملوا صالحا غير الذي كانوا يعملونه من السيئات وذلك قوله حكاية عنهم : « فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي