فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه ، وليس يخرج من هذه الأربعة شيء خلقه الله في ملكوته ، وهو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله فقال : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ـ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم ، وبنوره اهتدوا إلى معرفته ، الخبر.
أقول : قوله أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله إلخ ، ظاهر في أن الجاثليق أخذ الحمل بمعنى حمل الجسم للجسم ، وقوله عليهالسلام : الله حامل العرش والسماوات والأرض إلخ ، أخذ للحمل بمعناه التحليلي وتفسير له بمعنى حمل وجود الشيء وهو قيام وجود الأشياء به تعالى قياما تبعيا محضا لا استقلاليا ، ومن المعلوم أن لازم هذا المعنى أن يكون الأشياء محمولة له تعالى لا حاملة.
ولذلك لما سمع الجاثليق ذلك سأله عليهالسلام عن قوله تعالى : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ » فإن حمل وجود الشيء بالمعنى المتقدم يختص به تعالى لا يشاركه فيه غيره مع أن الآية تنسبه إلى غيره! ففسر عليهالسلام الحمل ثانيا بحمل العلم وفسر العرش بالعلم.
غير أن ذلك حيث كان يوهم المناقضة بين التفسيرين زاد عليهالسلام في توضيح ما ذكره من كون العرش هو العلم إن هذا العلم غير ما هو المتبادر إلى الأفهام العامية من العلم وهو العلم الحصولي الذي هو الصورة النفسانية بل هو نور عظمته وقدرته حضرت لهؤلاء الحملة بإذن الله وشوهدت لهم فسمي ذلك حملا ، وهو مع ذلك محمول له تعالى ولا منافاة كما أن وجود أفعالنا حاضرة عندنا محمولة لنا وهي مع ذلك حاضرة عند الله سبحانه محمولة له وهو المالك الذي ملكنا إياها.
فنور العظمة الإلهية وقدرته الذي ظهر به جميع الأشياء هو العرش الذي يحيط بما دونه وهو ملكه تعالى لكل شيء دون العرش وهو تعالى الحامل لهذا النور ثم الذين كشف الله لهم عن هذا النور يحملونه بإذن الله ، والله سبحانه هو الحامل للحامل والمحمول جميعا.
فالعرش في قوله : « ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ » ـ وإن شئت قلت : الاستواء على العرش هو الملك ، وفي قوله : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ » الآية هو العلم ، وهما جميعا واحد وهو المقام الذي يظهر به جميع الأشياء ويتمركز فيه إجمال جميع التدابير التفصيلية الجارية في نظام الوجود فهو مقام الملك الذي يصدر منه التدابير ، ومقام العلم الذي