الإرادة لكن هناك إرادة أخرى هي التي تحكم على الإرادتين جميعا وتنظم العمل على ما تميل إليه بتقديم هذه تارة وتلك أخرى والإرادتان أعني سببي الحركة والسكون وإن كانت كل منهما تعمل لنفسها وعلى حدتها وتنازع صاحبتها لكنهما جميعا متفقتان في طاعة الإرادة التي هي فوقهما ، ومتعاضدتان في إجراء ما يوجبه السبب الذي هو أعلى منهما وأسمى.
فالمقام الذي ينفصل به السببان المتنافيان وينشأ منه تنازعهما بمنزلة الكرسي ، والمقام الذي يظهر أن فيه متلائمين متآلفين بمنزلة العرش ، وظاهر أن الثاني أقدم من الأول ، وأنهما يختلفان بنوع من الإجمال والتفصيل ، والبطون والظهور.
وأحرى بالمقامين أن يسميا عرشا وكرسيا لأن فيهما خواص عرش الملك وكرسيه فإن الكرسي : الذي يظهر فيه أحكام الملك من جهة عماله وأيديه العمالة ، وكل منهم يعمل بحيال نفسه في نوع من أمور المملكة وشئونها وربما تنازعت الكراسي فيقدم حكم البعض على البعض ونسخ البعض حكم البعض ، لكنها جميعا تتوافق وتتحد في طاعة أحكام العرش وهو المختص بالملك نفسه فعنده الحكم المحفوظ عن تنازع الأسباب غير المنسوخ بنسخ العمال والأيدي ، وفي عرشه إجمال جميع التفاصيل وباطن ما يظهر من ناحية العمال والأيدي.
وبهذا البيان يتضح معنى قوله عليهالسلام : لأن الكرسي هو الباب الظاهر « إلخ » فقوله « منه مطلع البدع » أي طلوع الأمور الكونية غير المسبوقة بمثل ، وقوله « ومنها الأشياء كلها » أي تفاصيل الخلقة ومفرداتها المختلفة المتشتتة.
وقوله : « والعرش هو الباب الباطن » قبال كون الكرسي هو الباب الظاهر ، والبطون والظهور فيهما باعتبار وقوع التفرق في الأحكام الصادرة وعدم وقوعه ، وقوله يوجد فيه « إلخ » أي جميع العلوم والصور التي تنتهي إلى إجمالها تفاصيل الأشياء.
وقوله : « علم الكيف » كأن المراد بالكيف خصوصية صدور الشيء عن أسبابه ، وقوله : « والكون » المراد به تمام وجوده كما أن المراد بالعود والبدء أول وجودات الأشياء ونهايتها وقوله : « والقدر والحد » المراد بهما واحد غير أن القدر حال مقدار الشيء بحسب نفسه ، والحد حال الشيء بحسب إضافته إلى غيره ومنعه أن يدخل حومة نفسه ويمازجه ، وقوله : « والأين » هو النسبة المكانية ، وقوله : « والمشية