أقول : قوله عليهالسلام : إن للعرش صفات كثيرة إلخ ، يؤيد ما ذكرناه سابقا أن الاستواء على العرش لبيان اجتماع أزمة التدابير العالمية عند الله ، ويؤيده ما في آخر الحديث من قوله : وبمثل صرف العلماء.
وقوله عليهالسلام : « وهذا علم الكيفوفية في الأشياء » المراد به العلم بالعلل العالية والأسباب القصوى للموجودات فإن لفظ « كيف » عرفا كما يسأل به عن العرض المسمى اصطلاحا بالكيف كذلك يسأل به عن سبب الشيء ولمه ، يقال : كيف وجد كذا؟ وكيف فعل زيد كذا وهو لا يستطيع.
وقوله عليهالسلام : ثم العرش في الوصل مفرد عن الكرسي « إلخ » مراده أن العرش والكرسي واحد من حيث إنهما مقام الغيب الذي يظهر منه الأشياء وينزل منه إلى هذا العالم لكن العرش في الصلة الكلامية متميز من الكرسي لأن هذا المقام في نفسه ينقسم إلى مقامين وينشعب إلى بابين لكنهما مقرونان غير متباينين : أحدهما الباب الظاهر الذي يلي هذا العالم ، والآخر الباب الباطن الذي يليه ثم بينه بقوله : لأن الكرسي هو الباب الظاهر « إلخ ».
قوله عليهالسلام : « لأن الكرسي هو الباب الظاهر الذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلها » أي طلوع الأمور البديعة على غير مثال سابق ، ومنها يتحقق الأشياء كلها لأن جميعها بديعة على غير مثال سابق ، وهي إنما تكون بديعة إذا كانت مما لا يتوقع تحققها من الوضع السابق الذي كان أنتج الأمور السابقة على هذا الحادث التي تذهب هي ويقوم هذا مقامها فيئول الأمر إلى البداء بإمحاء حكم سبب وإثبات حكم الآخر موضعه فجميع الوقائع الحادثة في هذا العالم المستندة إلى عمل الأسباب المتزاحمة والقوى المتضادة بدع حادثة وبداءات في الإرادة.
وفوق هذه الأسباب المتزاحمة والإرادات المتغايرة التي لا تزال تتنازع في الوجود سبب واحد وإرادة واحدة حاكمة لا يقع إلا ما يريده فهو الذي يحجب هذا السبب بذاك السبب ويغير حكم هذه الإرادة ويقيد إطلاق تأثير كل شيء بغيره كمثل الذي يريد قطع طريق لغاية كذا فيأخذ في طيه ، وبينما هو يطوي الطريق يقف أحيانا ليستريح زمانا ، فعله الوقوف ربما تنازع علة الطي والحركة وتوقفها عن العمل ، والإرادة تغير