وقوله عليهالسلام « وهو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه » فالعرش هو الملكوت غير أن الملكوت اثنان ملكوت أعلى وملكوت أسفل ، والعرش لكونه مقام الإجمال وباطن البابين من الغيب كما سيأتي ما يدل على ذلك من الرواية كان الأحرى به أن يكون الملكوت الأعلى.
وقوله عليهالسلام : وكيف يحمل حملة العرش الله « إلخ » تأكيد وتثبيت لأول الكلام : أن العرش هو مقام حمل وجود الأشياء وتقويمه ، فحملة العرش محمولون له سبحانه لا حاملون كيف؟ ووجودهم وسير وجودهم يقوم به تعالى لا بأنفسهم ، ولاعتباره عليهالسلام هذا المقام الوجودي علما عبر عن وجودهم وعن كمال وجودهم بالقلوب ، ونور الاهتداء إلى معرفة الله إذ قال : وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته.
وفي التوحيد ، بإسناده عن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن العرش والكرسي فقال : إن للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة ـ فقوله : « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » يقول : رب الملك العظيم ، وقوله : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » يقول : على الملك احتوى ، وهذا علم الكيفوفية في الأشياء.
ثم العرش في الوصل مفرد (١) عن الكرسي ـ لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ـ وهما جميعا غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ـ لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب ـ الذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلها ، والعرش هو الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف ـ والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة ـ وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء.
فهما في العلم بابان مقرونان ـ لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي ، وعلمه أغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال : « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » أي صفته أعظم من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان.
قلت : جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال عليهالسلام : إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه ـ وفيه الظاهر من أبواب البداء وإنيتها ـ وحد رتقها وفتقها ـ فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف ، وبمثل صرف العلماء ، وليستدلوا على صدق دعواهما ـ لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.
__________________
(١) متفرد خ ل.