من سهولها ـ والسهل خلاف الجبل سمي به لسهولة قطعه ـ قصورا وهي الدور التي لها سور على ما قيل ، وينحتون الجبال بيوتا يأوون إليها ويسكنونها.
ثم جمع الجميع ولخصها في قوله : « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ » وأورده في صورة التفريع مع أنه إجمال للتفصيل الذي قبله بإيهام المغايرة كأنه لما أمر بذكر النعم وعد من تفاصيل النعم أشياء كأنهم لا يعلمون بها قيل ثانيا : فإذا كان لله فيكم آلاء ونعم عظيمة أمثال التي ذكرت فاذكروا آلاء الله.
وأما قوله : « وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ » فمعطوف على قوله : « فَاذْكُرُوا » عطف اللازم على ملزومه ، وفسر العثي بالفساد وفسر بالاضطراب والمبالغة. قال الراغب في المفردات : العيث والعثي يتقاربان نحو جذب وجبذ إلا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسا ، والعثي فيما يدرك حكما يقال : عثى يعثي عثيا ، وعلى هذا : « وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ». انتهى.
قوله تعالى : « قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ » إلى آخر الآيتين ، دل سبحانه ببيان قوله : « لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا » بقوله : « لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ » على أن المستضعفين هم المؤمنون وأن المؤمنين إنما كانوا من المستضعفين ولم يكن ليؤمن به أحد من المستكبرين ، والباقي ظاهر.
قوله : « فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ » إلى آخر الآية عقر النخلة قطعها من أصلها ، وعقر الناقة نحرها ، وعقر الناقة أيضا قطع قوائمها ، والعتو هو التمرد والامتناع وضمن في الآية معنى الاستكبار بدليل تعديته بعن ، والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ » إلى آخر الآيتين. الرجفة هي الاضطراب والاهتزاز الشديد كما في زلزلة الأرض وتلاطم البحر ، والجثوم في الإنسان والطير كالبروك في البعير.
وقد ذكر الله هنا في سبب هلاكهم أنه أخذتهم الرجفة ، وقال في موضع آخر : « وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ » : هود : ٦٧ ، وفي موضع آخر : « فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ » : حم السجدة : ١٧ ، والصواعق السماوية لا تخلو عن صيحة هائلة تقارنها ، ولا ينفك ذلك غالبا عن رجفة الأرض هي نتيجة الاهتزاز الجوي الشديد إلى الأرض ،