قصة تبتدئ من هذه الآية إلى تمام خمس عشرة آية يفصل فيها إجمال الآية السابقة وتبين فيها العلل والأسباب التي انتهت إلى تمكين الإنسان في الأرض المدلول عليه بقوله : « وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ».
ولذلك بدئ الكلام في قوله : « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ » ( إلخ ) بلام القسم ، ولذلك أيضا سيقت القصتان أعني قصة الأمر بالسجدة ، وقصة الجنة في صورة قصة واحدة من غير أن تفصل القصة الثانية بما يدل على كونها قصة مستقلة كل ذلك ليتخلص إلى قوله : « قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ » إلى آخر الآيتين فينطبق التفصيل على إجمال قوله : « وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ » الآية.
وقوله : « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ » الخطاب فيه لعامة الآدميين وهو خطاب امتناني كما مر نظيره في الآية السابقة لأن المضمون هو المضمون وإنما يختلفان بالإجمال والتفصيل.
وعلى هذا فالانتقال في الخطاب من العموم إلى الخصوص أعني قوله : « ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ » بعد قوله : « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ » يفيد بيان حقيقتين : الأولى : أن السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم أي للنشأة الإنسانية وإن كان آدم عليهالسلام هو القبلة المنصوبة للسجدة فهو عليهالسلام في أمر السجدة كان مثالا يمثل به الإنسانية نائبا مناب أفراد الإنسان على كثرتهم لا مسجودا له من جهة شخصه كالكعبة المجعولة قبلة يتوجه إليها في العبادات ، وتمثل بها ناحية الربوبية.
ويستفاد هذا المعنى أولا من قصة الخلافة المذكورة في سورة البقرة آية ٣٠ ـ ٣٣ فإن المستفاد من الآيات هناك أن أمر الملائكة بالسجدة متفرع على الخلافة ، والخلافة المذكورة في الآيات كما استفدناه هناك ـ غير مختصة بآدم بل جارية في عامة الآدميين فالسجدة أيضا للجميع.
وثانيا : أن إبليس تعرض لهم أي لبني آدم ابتداء من غير توسيط آدم ولا تخصيصه عليهالسلام بالتعرض حين قال على ما حكاه الله سبحانه : « فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ » ( إلخ ) من غير سبق ذكر لبني آدم ، وقد ورد نظيره في سورة الحجر حيث قال : « رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي