المعاني على اختلاف أنظار المفسرين غير أن قوله تعالى في سورة الحجر فيما حكاه عنه : « قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » يؤيد أن مراده هو المعنى الأول ، والباء في قوله : « فَبِما » للسببية أو المقابلة ، والمعنى : فبسبب إغوائك إياي أو في مقابلة إغوائك إياي لأقعدن لهم إلخ ، وقد أخطأ من قال : إنها للقسم وكان القائل أراد أن يطبقه على قوله تعالى في موضع آخر حكاية عنه : « قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » : ص : ٨٢.
وقوله : « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ » أي لأجلسن لأجلهم على صراطك المستقيم وسبيلك السوي الذي يوصلهم إليك وينتهي بهم إلى سعادتهم لما أن الجميع سائرون إليك سالكون لا محالة مستقيم صراطك فالقعود على الصراط المستقيم كناية عن التزامه والترصد لعابريه ليخرجهم منه.
وقوله : « ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ » بيان لما يصنعه بهم وقد كمن لهم قاعدا على الصراط المستقيم ، وهو أنه يأتيهم من كل جانب من جوانبهم الأربعة.
وإذ كان الصراط المستقيم الذي كمن لهم قاعدا عليه أمرا معنويا كانت الجهات التي يأتيهم منها معنوية لا حسية والذي يستأنس من كلامه تعالى لتشخيص المراد بهذه الجهاد كقوله تعالى : « يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً » : النساء : ١٢٠ ، وقوله : « إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ » : آل عمران : ١٧٥ وقوله : « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » : البقرة : ١٦٨ ، وقوله : « الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ » : البقرة ٢٦٨ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة هو أن المراد مما بين أيديهم ما يستقبلهم من الحوادث أيام حياتهم مما يتعلق به الآمال والأماني من الأمور التي تهواه النفوس وتستلذه الطباع ، ومما يكرهه الإنسان ويخاف نزوله به كالفقر يخاف منه لو أنفق المال في سبيل الله أو ذم الناس ولومهم لو ورد سبيلا من سبل الخير والثواب.
والمراد بخلقهم ناحية الأولاد والأعقاب فللإنسان فيمن يخلفه بعده من الأولاد آمال وأماني ومخاوف ومكاره فإنه يخيل إليه أنه يبقى ببقائهم فيسره ما يسرهم ويسوؤه ما يسوؤهم فيجمع المال من حلاله وحرامه لأجلهم ، ويعد لهم ما استطاع من قوة فيهلك