نفسه في سبيل حياتهم.
والمراد باليمين وهو الجانب القوي الميمون من الإنسان ناحية سعادتهم وهو الدين وإتيانه من جانب اليمين أن يزين لهم المبالغة في بعض الأمور الدينية ، والتكلف بما لم يأمرهم به الله وهو الذي يسميه الله تعالى باتباع خطوات الشيطان.
والمراد بالشمال خلاف اليمين ، وإتيانه منه أن يزين لهم الفحشاء والمنكر ويدعوهم إلى ارتكاب المعاصي واقتراف الذنوب واتباع الأهواء.
قال الزمخشري في الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : « مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ » بحرف الابتداء ، و « عَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ » بحرف المجاوزة؟ قلت : المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس ، وإنما يبحث عن صحة موقعها فقط.
فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه وجلس عن شماله وعلى شماله قلنا :معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه ، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره كما ذكرنا في « تعال » ، انتهى موضع الحاجة.
وقوله تعالى : « وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » نتيجة ما ذكره من صنعه بهم بقوله : « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ » إلخ ، وقد وضع في ما حكاه الله من كلامه في غير هذا الموضع بدل هذه الجملة أعني « وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » جملة أخرى قال : « قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً » : إسراء : ٦٢ فاستثنى من وسوسته وإغوائه القليل مطابقا لما في هذه السورة ، وقال : « لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » : الحجر : ٤٠ ، ص : ٨٣.
ومنه يظهر أنه إنما عنى بالشاكرين في هذا الموضع المخلصين ، والتأمل الدقيق في معنى الكلمتين يرشد إلى ذلك فإن المخلصين ـ بفتح اللام ـ هم الذين أخلصوا لله فلا يشاركه فيهم أي في عبوديتهم وعبادتهم سواه ، ولا نصيب فيهم لغيره ، ولا يذكرون إلا ربهم وقد نسوا دونه كل شيء حتى أنفسهم فليس في قلوبهم إلا هو سبحانه ، ولا موقف فيها للشيطان ولا لتزييناته.