وقد بلغ من إهمال الباحثين في البحث الحقيقي واسترسالهم في الجدال إشكالا وجوابا أن ذهب الذاهب منهم إلى أن المراد بآدم هذا آدم النوعي والقصة تخييلية محضة واختار آخرون أن إبليس الذي يخبر عنه القرآن الكريم هو القوة الداعية إلى الشر من الإنسان!.
وذهب آخرون إلى جواز انتساب القبائح والشنائع إليه تعالى وأن جميع المعاصي من فعله ، وأنه يخلق الشر والقبيح فيفسد ما يصلحه ، وأن الحسن هو الذي أمر به والقبيح هو الذي نهى عنه ، وآخرون : إلى أن آدم لم يكن نبيا ، وآخرون : إلى أن الأنبياء غير معصومين مطلقا ، وآخرون : إلى أنهم غير معصومين قبل البعثة وقصة الجنة قبل بعثة آدم ، وآخرون : إلى أن ذلك كله من الامتحان واختبار ولم يبينوا ما هو الملاك الحقيقي في هذا الامتحان الذي يضل به كثيرون ويهلك به الأكثرون ، ولو لا وجود ملاك يحسم مادة الإشكال لعادت الإشكالات بأجمعهم.
والذي يمنع نجاح السعي في هذه الأبحاث ويختل به نتائجها هو أنهم لم يفرقوا في هذه المباحث جهاتها الحقيقية من جهاتها الاعتبارية ، ولم يفصلوا التكوين عن التشريع فاختل بذلك نظام البحث ، وحكموا في ناحية التكوين غالبا الأصول الوضيعة الاعتبارية الحاكمة في التشريعيات والاجتماعيات.
والذي يجب تحريره وتنقيحه على الحر الباحث عن هذه الحقائق الدينية المرتبطة بجهات التكوين أن يحرر جهات :
الأولى : أن وجود شيء من الأشياء التي يتعلق بها الخلق والإيجاد في نفسه ـ أعني وجوده النفسي من غير إضافة ـ لا يكون إلا خيرا ولا يقع إلا حسنا ، فلو فرض محالا تعلق الخلقة بما فرض شرا في نفسه عاد أمرا موجودا له آثار وجودية يبتدئ من الله ويرتزق برزقه ثم ينتهي إليه فحاله حال سائر الخليقة ليس فيه أثر من الشر والقبح إلا أن يرتبط وجوده بغيره فيفسد نظاما عادلا في الوجود أو يوجب حرمان جمع من الموجودات من خيرها وسعادتها ، وهذه هي الإضافة المذكورة.
ولذلك كان من الواجب في الحكمة الإلهية أن ينتفع من هذه الموجودات المضرة الوجود بما يربو على مضرتها وذلك قوله تعالى : « الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ »