: السجدة : ٧ ، وقوله : « تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » : الأعراف : ٥٤ ، وقوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » : إسراء : ٤٤.
والثانية : أن عالم الصنع والإيجاد على كثرة أجزائه وسعة عرضه مرتبط بعضه ببعض معطوف آخره إلى أوله فإيجاد بعضه إنما هو بإيجاد الجميع ، وإصلاح الجزء إنما هو بإصلاح الكل فالاختلاف الموجود بين أجزاء العالم في الوجود وهو الذي صير العالم عالما ثم ارتباطها يستلزم استلزاما ضروريا في الحكمة الإلهية نسبة بعضها إلى بعض بالتنافي والتضاد أو بالكمال والنقص والوجدان والفقدان والنيل والحرمان ، ولو لا ذلك عاد جميع الأشياء إلى شيء واحد لا تميز فيه ولا اختلاف ويبطل بذلك الوجود قال تعالى : « وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ » : القمر : ٥٠.
فلو لا الشر والفساد والتعب والفقدان والنقص والضعف وأمثالها في هذا العالم لما كان للخير والصحة والراحة والوجدان والكمال والقوة مصداق ، ولا عقل منها معنى لأنا إنما نأخذ المعاني من مصاديقها.
ولو لا الشقاء لم تكن سعادة ، ولو لا المعصية لم تتحقق طاعة ، ولو لا القبح والذم لم توجد حسن ولا مدح ، ولو لا العقاب لم يحصل ثواب ، ولو لا الدنيا لم تتكون آخرة.
فالطاعة مثلا امتثال الأمر المولوي فلو لم يمكن عدم الامتثال الذي هو المعصية لكان الفعل ضروريا لازما ، ومع لزوم الفعل لا معنى للأمر المولوي لامتناع تحصيل الحاصل ، ومع عدم الأمر المولوي لا مصداق للطاعة ولا مفهوم لها كما عرفت.
ومع بطلان الطاعة والمعصية يبطل المدح والذم المتعلق بهما والثواب والعقاب والوعد والوعيد والإنذار والتبشير ثم الدين والشريعة والدعوة ثم النبوة والرسالة ثم الاجتماع والمدنية ثم الإنسانية ثم كل شيء ، وعلى هذا القياس جميع الأمور المتقابلة في النظام ، فافهم ذلك.
ومن هنا ينكشف لك أن وجود الشيطان الداعي إلى الشر والمعصية من أركان نظام العالم الإنساني الذي إنما يجري على سنة الاختيار ويقصد سعادة النوع.
وهو كالحاشية المكتنفة بالصراط المستقيم الذي في طبع هذا النوع أن يسلكه كادحا إلى ربه ليلاقيه ، ومن المعلوم أن الصراط إنما يتعين بمتنه صراطا بالحاشية الخارجة عنه