أَزْواجٍ » : الزمر : ٦ ، وقد قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » : الحجر ٢١ ، فقد أنزل الله اللباس والريش بالخلق من غيب ما عنده إلى عالم الشهادة وهو الخلق.
واللباس هو الذي يعمله الإنسان صالحا لأن يستعمله بالفعل دون المواد الأصلية من قطن أو صوف أو حرير أو غير ذلك مما يأخذه الإنسان فيضيف إليه أعمالا صناعية من تصفية وغزل ونسج وقطع وخياطة فيصير لباسا صالحا للبس فعد اللباس والريش من خلق الله وهما من عمل الإنسان نظير ما في قوله تعالى : « وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ » : الصافات : ٩٦ ، من النسبة.
ولا فرق من جهة النظر في التكوين بين نسبة ما عمله الإنسان إلى الله سبحانه وما عمله منته إلى أسباب جمة أحدها الإنسان ، ونسبة سائر ما عملته الطبائع ولها أسباب كثيرة أحدها الفاعل كنبات الأرض وصفرة الذهب وحلاوة العسل فإن جميع الأسباب بجميع ما فيها من القدرة منتهية إليه سبحانه وهو محيط بها.
وليست الخلقة منتسبة إلى الأشياء على وتيرة واحدة وإن كانت جميع مواردها متفقة في معنى الانتهاء إليه إلا ما فيه معنى النقص والقبح والشناعة من المعاصي ونحوها فحقيقتها فقدان الخلقة الحسنة أو مخالفة الأمر الإلهي ، وليست بمخلوقة له وإنما هي أوصاف نقص في أعمال الإنسان مثلا في باطنه أو ظاهره ، وقد تكررت الإشارة إلى هذه الحقيقة فيما مر من أجزاء هذا الكتاب.
وتوصيف اللباس بقوله : « يُوارِي سَوْآتِكُمْ » للدلالة على أن المراد باللباس ما ترفع به حاجة الإنسان التي اضطرته إلى اتخاذ اللباس وهي مواراة سواته التي يسوؤه انكشافها وأما الريش فإنما يتخذه لجمال زائد على أصل الحاجة.
وفي الآية امتنان بهداية الإنسان إلى اللباس والريش وفيها ـ كما قيل ـ دلالة على إباحة لباس الزينة.
قوله تعالى : « وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ » إلى آخر الآية. انتقل سبحانه من ذكر لباس الظاهر الذي يواري سوآت الإنسان فيتقي به أن يظهر منه ما يسوؤه ظهوره ،