وشيء من العلل والأسباب ومنها الإنسان لا يريد غاية ولا يفعل فعلا إلا إذا كان ملائما لنفسه حاملا لما فيه نفعه وسعادته ، وما ربما يتراءى من خلاف فإنما هو في بادئ النظر لا بحسب الحقيقة وفي نفس الأمر.
هذا كله ما يقتضيه التدبر وإيفاء النظر من معنى قوله « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ » إلخ ، وهو يدور مدار كون « فَرِيقاً هَدى » إلخ ، حالا مبينا لوجه الشبه والمعنى المشترك بين البدء والعود سواء أخذنا الكلام مستأنفا أو واقعا موقع التعليل متصلا بما قبله.
وأما جمهور المفسرين فكأنهم متسالمون على أن قوله : « فَرِيقاً هَدى » حال مبين لكيفية العود فحسب دون العود والبدء جميعا ، وأن المعنى المشترك الذي هو وجه تشبيه العود بالبدء أمر آخر وراءه إلا من فسر البدء بالحياة الدنيا والخلق الأول كما تقدم وسيجيء ، وكان ذلك فرارا منهم عن لزوم الجبر المبطل للاختيار مع احتفاف الكلام بالأوامر والنواهي ، وقد عرفت أن ذلك غير لازم.
وبالجملة فقد اختلفوا في وجه اتصال الكلام بما قبله بعد التسالم على ذلك فمن قائل : أنه إنذار بالبعث تأكيدا للأحكام المذكورة سابقا ، واحتجاج عليه بالبدء فالمعنى : ادعوه مخلصين فإنكم مبعوثون مجازون ، وإن بعد ذلك في عقولكم فاعتبروا بالابتداء واعلموا أنه كما بدأكم في الخلق الأول فإنه يبعثكم فتعودون في الخلق الثاني.
وفيه أنه مبني على أن تشبيه العود بالبدء في تساويهما بالنسبة إلى قدرة الله ، وأن النكتة في التعرض لذلك هو الإنذار بالمجازاة ، والسياق المناسب لهذا الغرض أن يقال : كما بدأكم يبعثكم فيجازيكم بوضع بعثه تعالى موضع عود الناس والتصريح بالمجازاة التي هي العمدة في الغرض المسوق لأجله الكلام كما صنع ذلك القائل نفسه فيما ذكره من المعنى ، والآية خالية من ذلك.
ومن قائل : أنه احتجاج على منكري البعث ، واتصاله بقوله تعالى قبل عدة آيات : « فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ ».
فقوله : « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ » معناه فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم.