هذا من استخراج حكم خاص ـ بهذه الأمة ـ من الحكم العام السابق عليه بنوع من الالتفات نظير ما تقدم في قوله : « ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ » وقوله « وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً » الآية.
والاستفهام إنكاري ، والزين يقابل الشين وهو ما يعاب به الإنسان فالزينة ما يرتفع به العيب ويذهب بنفرة النفوس ، والإخراج كناية عن الإظهار واستعارة تخييلية كأن الله سبحانه بإلهامه وهدايته الإنسان من طريق الفطرة إلى إيجاد أنواع الزينة التي يستحسنها مجتمعة ويستدعي انجذاب نفوسهم إليه وارتفاع نفرتهم واشمئزازهم عنه يخرج لهم الزينة وقد كانت مخبية خفية فأظهرها لحواسهم.
ولو كان الإنسان يعيش في الدنيا وحده في غير مجتمع من أمثاله لم يحتج إلى زينة يتزين بها قط ولا تنبه للزوم إيجادها لأن ملاك التنبه هو الحاجة. لكنه لما لم يسعه إلا الحياة في مجتمع من الأفراد وهم يعيشون بالإرادة والكراهة والحب والبغض والرضى والسخط فلا محيص لهم من العثور على ما يستحسنونه وما يستقبحونه من الهيئات والأزياء فيلهمهم المعلم الغيبي من وراء فطرتهم بما يصلح ما فسد منهم ويزين ما يشين منهم وهو الزينة بأقسامها ، ولعل هذا هو النكتة في خصوص التعبير بقوله : « لِعِبادِهِ ».
وهذه المسماة بالزينة من أهم ما يعتمد عليه الاجتماع الإنساني ، وهي من الآداب العريقة التي تلازم المجتمعات وتترقى وتتنزل على حسب تقدم المدنية والحضارة ولو فرض ارتفاعها من أصلها في مجتمع من المجتمعات انهدم الاجتماع وتلاشت أجزاؤه من حينه لأن معنى بطلانها ارتفاع الحسن والقبح والحب والبغض والإرادة والكراهة وأمثالها من بينهم ، ولا مصداق للاجتماع الإنساني عندئذ فافهم ذلك.
ثم الطيبات من الرزق ـ والطيب هو الملائم للطبع ـ هي الأنواع المختلفة مما يرتزق به الإنسان بالتغذي منه ، أو مطلق ما يستمد به في حياته وبقائه كأنواع المطعم والمشرب والمنكح والمسكن ونحوها ، وقد جهز الله سبحانه الإنسان بما يحس بحاجته إلى أقسام الرزق ويستدعي تناولها بأنواع من الشهوات الهائجة في باطنه إلى ما يلائمها مما يرفع حاجته وهذا هو الطيب والملاءمة الطبيعية.
وابتناء حياة الإنسان السعيدة على طيبات الرزق غني عن البيان فلا يسعد